تفسير سورة الطارق

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُورَةُ الطَّارِقِ
مكية، وآيها: سبع عشرة آية، وحروفها مئتان وثمانية وأربعون حرفًا، وكلمها: إحدى وستون كلمة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١)﴾.
[١] ﴿وَالسَّمَاءِ﴾ هي السماء المعروفة ﴿وَالطَّارِقِ﴾ النجم؛ لأنه يطرق، أي: يطلع ليلًا، وكلُّ ما ظهر (١) أو أتى ليلًا، فهو طارق.
* * *
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢)﴾.
[٢] ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ عبر عنه أولًا بوصف عام.
* * *
﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)﴾.
[٣] ثم فسره بما يخصه تفخيمًا لشأنه فقال: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ المضيء؛
(١) "ظهر" ساقطة في "ت".
لثقبه الظلام بضوئه، وهو الثريا الذي تطلق عليه العرب اسم النجم معرفًا، وقيل: زحل.
* * *
﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)﴾.
[٤] وجواب القسم: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ﴾ (إنْ) مخففة من الثقيلة ﴿لَمَّا عَلَيْهَا﴾.
قرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم، وحمزة: (لَمَّا) بتشديد الميم بمعنى (إلا) عليها، وقرأ الباقون: بتخفيفها صلة مؤكدة (١)، مجازه: إنْ كلُّ نفسٍ لَعليها.
﴿حَافِظٌ﴾ من الملائكة يحصي أعمالها، ويعدها للجزاء عليها، وبهذا الوجه تدخل الأمة في الوعيد الزاجر.
* * *
﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)﴾.
[٥] ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ﴾ نظرَ اعتبار ﴿مِمَّ﴾ أي: من أي شيء ﴿خُلِقَ﴾ وقف البزي، ويعقوب بخلاف عنهما: (مِمَّهْ) بزيادة هاء بعد الميم.
* * *
﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦)﴾.
[٦] وجواب الاستفهام: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ أي: مدفوق، ونسبة الدفق
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٧٨)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٥٩٣)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٩١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١١٣ - ١١٤).
إلى الماء مجاز، والمراد: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الولد منهما يكون، فإذا اعتبر أصله، علم أن القادر على ذلك قادر على البعث.
* * *
﴿يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)﴾.
[٧] ﴿يَخرُجُ﴾ أي: ينزع ﴿مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ﴾ من الرَّجل، وهو الظهر.
﴿وَالتَّرَائِبِ﴾ جمع تريبة (١)، وهي عظام الصدر من المرأة.
* * *
﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨)﴾.
[٨] ﴿إِنَّهُ﴾ أي: الله تعالى ﴿عَلَى رَجْعِهِ﴾ أي: ردِّ الإنسان حيًّا بعد موته.
﴿لَقَادِرٌ﴾ يرجعه.
* * *
﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)﴾.
[٩] ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾ تُختبر الضمائر.
عن النبي - ﷺ -: "إنَّ السرائرَ التي يبتليها اللهُ من العباد: التوحيدُ، والصلاةُ، والزكاةُ، والغسلُ من الجنابة" (٢).
(١) في "ت": "تربية".
(٢) رواه البيهقي في "شعب الإيمان" (٢٧٥١)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه نحوه. انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٥٩٤)، و "المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٤٦٦).
﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿فَمَا لَهُ﴾ لمنكر البعث ﴿مِنْ قُوَّةٍ﴾ يمتنع بها من العذاب.
﴿وَلَا نَاصِرٍ﴾ ينصره منه.
* * *
﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١)﴾.
[١١] ﴿وَالسَّمَاءِ﴾ تحتمل في هذا القَسَم أن تكون المعروفة، وتحتمل أن تكون السحاب ﴿ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي: المطر، وسمي رجعًا؛ لرجوعه في كل أوان وكل وقته.
* * *
﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ الشق عن النبات، المعنى: أنه تعالى أقسم بهما إيماءً إلى المنة عليهم.
* * *
﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣)﴾.
[١٣] وجواب القسم: ﴿إِنَّهُ﴾ أي: القرآن ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ محكم بين الحق والباطل.
* * *
﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ باللعب، والهزل: ما استعمل في غير ما وضع
له من غير مناسبة، والجد: ضده، وهو أن يقصد به المتكلم حقيقة كلامه.
* * *
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥)﴾.
[١٥] ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا﴾ يعملون المكائد للنبي - ﷺ -.
* * *
﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ جزاء كيدهم؛ بإمهالي لهم؛ ثم أنتقم منهم، وسمى عقابهم كيدًا على العرف في تسمية العقوبة باسم الذنب.
* * *
﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)﴾.
[١٧] ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾ وعيد من الله، وفيه إشعار أن عقابهم متأخر حتى ظهر ببدر وغيره ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ قليلًا، ومَهَّل وأمهلَ معناهما: الانتظار، ﴿رُوَيْدًا﴾ مصدر تصغير رَوْد، وفي هذه الآية موادعة نسختها آية السيف، والله أعلم.
* * *
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).