تفسير سورة الطارق

معاني القرآن للزجاج

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج المعروف بـمعاني القرآن للزجاج.
لمؤلفه الزجاج . المتوفي سنة 311 هـ

سُورَةُ الطَّارِقِ
(مَكِّيَّة)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله: (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١)
جواب القسم: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤).
والطارق النجم، والنجم يعنى به النجوم.
وإنما قيل للنجم طارق لأنه طلوعه بالليل، وكلُّ ما أتى ليلا
فهو طارق، لأن الليل يسكن فيه، ومن هذا قيل: أَطرَقَ فُلَان إذا أَمْسَكَ عَنِ الكلامِ وَسَكَنَ.
* * *
(النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)
و (الثَّاقِبُ)
المُضِيء لقال ثقب يثقُبُ تقوباً إذا أضاء، ويقال للموقِدِ:
أثقب نارك أي أَضِئها.
* * *
وقوله: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)
(لَمَا عَلَيْهَا)
معناه لَعَلَيْها حافظ، و " ما " لغوٌ.
وقرئت " لَمَّا " عَلَيْها حَافِط - بالتشديد.
والمعنى معنى (إلا) استعْمِلَتْ " لَمَّا " في موضع " إلا " في موضعين:
أحدهما هذا.
والآخر في بَابِ القَسَمِ.
يقال: سَأَلْتكَ لَمَّا فَعلت بمعنى إلا فعلت (١).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦)
معناه من فوق، ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب إلى الاندفاق.
المعنى من ماء ذي اندفاق.
* * *
وقوله: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا﴾: قد تقدَّم في سورةِ هود التخفيفُ والتشديدُ في «لَمَّاً». فمَنْ خَفَّفها هنا كانت «إنْ» هنا مخففةً من الثقيلة، و «كلُّ» مبتدأٌ، واللامُ فارقةٌ، و «عليها» خبرٌ مقدَّمٌ و «حافظٌ» مبتدأٌ مؤخرٌ، والجملةُ خبرُ «كل» و «ما» مزيدةٌ بعد اللامِ الفارقةِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «عليها» هو الخبرَ وحدَه، و «حافِظٌ» فاعلٌ به، وهو أحسنُ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «كلُّ» متبدأً، و «حافظٌ» خبرَه، و «عليها» متعلقٌ به و «ما» مزيدة أيضاً، هذا كلُّه تفريعٌ على قولِ البصريِين. وقال الكوفيون: «إنْ هنا نافيةٌ، واللامُ بمعنى» إلاَّ «إيجاباً بعد النفي، و» ما «مزيدةٌ. وتقدَّم الكلامُ في هذا مُسْتوفى.
وأمَّا قراءةُ التشديدِ فإنْ نافيةٌ، و»
لَمَّا «بمعنى» إلاَّ «، وتقدَّمَتْ شواهدُ ذلك مستوفاةً في هود. وحكى هارونُ أنه قُرِىءَ هنا» إنَّ «بالتشديدِ،» كلَّ «بالنصب على أنَّه اسمُها، واللامُ هي الداخلةُ في الخبرِ، و» ما «مزيدةٌ و» حافظٌ «خبرُها، وعلى كلِّ تقديرِ فإنْ وما في حَيِّزِها جوابُ القسمِ سواءً جَعَلها مخففةً أو نافيةً. وقيل: الجواب ﴿إِنَّهُ على رَجْعِهِ﴾، وما بينهما اعتراضٌ. وفيه بُعْدٌ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
الترائب: جاء في التفسير أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربَعُ
أضلاع من يَسْرةِ الصدر.
وجاء في التفسير أن الترائب اليدان والرجلان والعينان.
وقال أهل اللغة أجمعون: الترائب موضع القلادة من الصدر.
وأنشدوا لامرئ القيس:
مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفَاضَةٍ... تَرائِبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ
* * *
وقوله: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨)
جاء في التفسير: على رجع الماء إلى الإحليل لَقَادِرٌ.
وجاء أيضاً على رجعه إلى الصلب، وجاء أيضاً على رجعه على بعث الإنسانِ، وهذا يشهد له قوله:
* * *
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)
أي إنه قادر على بعثه يوم القيامة.
* * *
وقوله: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)
(ذات الرجع)
ذات المطر لأنه يجيء ويرجع ويتكرر.
قال أبو عبيدة:
الرجعُ: الماء، وأنشد بيت المنخل الهذلي؛
أَبيض كالرَّجْع رَسوبٌ إِذا... ما ثاخَ في مُحْتَفَلٍ يَخْتَلي
قال يصف السيف، يقول: هو أبيض كالماء.
(وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)
أي تصدع بالنبات.
* * *
(إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣)
جواب القسم يعنى به القرآن، يفصل بين الحق والباطل.
* * *
(وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
مَا هُوَ بالَّلعِبِ.
* * *
(إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥)
يعني به الكفار، أنهم يحاتلون النبي عليه السلام، ويظهرون ما هم
خلافه..
* * *
(وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)
كيد اللَّه لهم استدراجهم من حيث لا يعلمونَ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)
أي أمهلهم قليلاً.
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).