تفسير سورة الطارق

تفسير النسفي

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي.
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
الطارق مكية وهى سبع عشرة آية

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)
﴿والسماء والطارق وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق النجم الثاقب﴾ عظم قدر السماء في أعين الخلق لكونها معدن رزقهم ومسكن ملائكته وفيها خلق الجنة فأقسم بها وبالطارق والمراد جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرجم بها لعظم منفعتها ثم فسره بالنجم الثاقب أى المضئ كانه يثقب الظلام يضوئه فينفذ فيه ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلاً طارق أو لأنه يطرق الجني أي يصكه وجواب القسم
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)
﴿إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ لأن لما كانت مشددة بمعنى الاكقراءة عاصم وحمزة وابن عامر فتكون إن نافية أي ما كل نفس إلا عليها حافظ وإن كانت مخففة كقراءة غيرهم فتكون إن مخففة من الثقيلة أى انه كل نفس لعليها حافظ يحفظها من الآفات أو يحفظ عملها ورزقها
وأجلها فإذا استوفى ذلك ماتت وقيل هو كاتب الأعمال فما زائدة واللام فارقة بين الثقيلة والخفيفة وحافظ مبتدأ وعليها الخبر والجملة خبر كُلٌّ وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)
﴿فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ﴾ لما ذكر أن على كل نفس حافظاً أمره بالنظر في أول أمره ليعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الجزاء ولا يملى على حافظه الاما يسره فى عاقبته ومم خلق استفهام أى من أى شئ خلتى جوابه
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦)
﴿خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ﴾ والدفق صب فيه دفع والدفق في الحقيقة لصاحبه والإسناد إلى الماء مجاز وعن بعض أهل اللغة دفقت الماء دفقاً صببته ودفق الماء بنفسه أي انصب ولم يقل من ماءين لا متزاجهما فى الرحم واتحادهما حين ابتدئ فى خلقه
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧)
﴿يخرج من بين الصلب والترائب﴾ من بين صلب الرجل وترائب المرأة وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة وقيل العظم والعصب من الرجل واللحم والدم من المرأة
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨)
﴿إِنَّهُ﴾ إن الخالق لدلالة خلق عليه ومعناه ان الذى خلق الإنسان إبتداء من نظفة ﴿على رَجْعِهِ﴾ على إعادته خصوصاً ﴿لَقَادِرٌ﴾ لبيّن القدرة لا يعجز عنه كقوله إنني لفقير ونصب
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)
﴿يَوْمَ تبلى﴾ أي تكشف برجعه أو بمضمر دل عليه قوله رجعه أى بعثه يوم تبلى ﴿السرائر﴾ ما أسرفى القلوب من العقائد والنيات وما أخذمن الأعمال
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠)
﴿فَمَا لَهُ﴾ فما للإنسان ﴿مِن قُوَّةٍ﴾ في نفسه على دفع ما حل به ﴿وَلاَ نَاصِرٍ﴾ يعينه ويدفع عنه
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١)
﴿والسماء ذَاتِ الرجع﴾ أي المطر وسمي به لعوده كل حين
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)
﴿والأرض ذَاتِ الصدع﴾ هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣)
﴿إِنَّهُ﴾ إن القرآن ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ فاصل بين الحق والباطل كما قيل فرقان
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
﴿وَمَا هوَ بالهزل﴾ باللعب والباطل يعني أنه جد كله ومن حقه وقد وصفه الله بذلك أن يكون مهيباً في الصدور معظماً في القلوب يرتفع به قارئه وسامعه أن يلم بهزل أو يتفكه بمزاح
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥)
﴿أَنَّهُمْ﴾ يعني مشركي مكة ﴿يَكِيدُونَ كَيْداً﴾ يعملون المكايد في إبطال أمر الله وأطفاء نور الحق
وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)
﴿وأكيد كيدا﴾ وأجازتهم جزاء كيدهم باستدراجي لهم من حيث لا يعلمون فسمي جزاء الكيد كيداً كما سمي جزاء الاعتداء والسيئة اعتداء وسيئة وإن لم يكن اعتداء وسيئة ولا يجوز إطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلا على وجه الجزاء كقوله نسوا الله فنسيهم يخادعون الله وهو خادعهم الله يستهزئ بهم
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)
﴿فمهل الكافرين﴾ أى لا تدع بهلا كهم ولا تستعجل به ﴿أَمْهِلْهُمْ﴾ أنظرهم فكرر وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير ﴿رويدا﴾ امهالا يسيراً ولا يتكلم بها إلا مصغّرة وهي من رادت الريح ترود رودا تحركت ضعيفة
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).