تفسير سورة الطارق

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الطَّارِقِ
مكية، وآيها سبع عشرة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) الطارق: من الطرق وهو القرع والدّق، أطلق على الآتي بالليل؛ لأنه يحتاج إلى دق الباب. والمراد به: الكوكب؛ لظهوره بالليل. (النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) أبهمه أولاً ثم فسّره؛ إظهاراً لفخامه شأن المقسم به. والثاقب: المضيء كأنه يثقب الظلام بنوره. (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤) إن: هي المخففة، و " اللام ": الفارقة، و " ما " مزيدة. أي: إنَّ الشأن كل نفس عليها حافظ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: لمّا بتشديد الميم بمعنى: إلَّا، على إن " إن " نافية، والجملة جواب القسم.
(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) أي: لما ثبت أن عليه حافظاً، فلينظر في نفسه، فإنها أقرب الأشياء إليه، وكيفية تَكَوّنها، فإن ذلك النظر يوصله إلى الحافظ الحقيقي، ويعرفه أنه لم يخلق سدى. (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) ذي دفق نسبة كَلاَبنٍ وتَامِر. أو إسناد مجازي وصف بوصف صاحبه.
(يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) أي: صلب الرجل وترائب المرأة: موضع القلادة، أو ما بين ثدييها. كذا عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، جمع تربة. ولا ينافي قول الأطباء أنه
يتولد من جميع أجزاء البدن بعد الهضم الرابع، فيأخذ من كل عضو ما يستعد لأن يكون عضواً آخر مثله؛ لأنه نبّه مع الاختصار على الأعضاء التي هي أصول في التولد، وذلك أن الترائب تشمل القلب والكبد والكلى، والصلب الدماغ؛ لاتصال النخاع بالدماغ، وينزل من الدماغ شعب إلى مقدم البدن، وهي الترائب، على أنَّ كلامهم مبناه على الأوهام والظنون، وكلام اللَّه تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.
(إِنَّهُ... (٨) أي: اللَّه تعالى، فخّم أولاً بترك الفاعل في (مِمَّ خُلِقَ)، وثانياً بالإضمار؛ لعدم ذهاب الوهم إلى الغير. (عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) أي: على إعادة الإنسان، وقيل: الضمير للماء أي: يقدر على رجعه إلى مخرجه.
(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) منصوب بـ (رَجْعِهِ)، والفاصل ليس بأجنبي؛
لأنه متعلّق الجار، أي: تكشف وتظهر. جمع سريرة وهي ما أخفي من العقائد والأعمال.
(فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠) من منعة في نفسه ولا من غيره.
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) ذات المطر، سمي رجعاً؛ تفاؤلاً، أو لأن اللَّه يرجعه وقتاً وقتاً، أو لأن العرب تزعم أن السحاب يُحمل من بحار الأرض ثم ترجعه إلى الأرض. (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) النبات، أو الشَّق بالنبات والعيون.
(إِنَّهُ... (١٣) أي: القرآن، أو ما أخبرتم به من الاقتدار على الإحياء، والأول أولى؛ لتناوله هذا وغيره. (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) حدٌّ فاصل بين الحقِّ والباطل (وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) في شيء، بل جدُّ كله.
(إِنَّهُمْ... (١٥) أي: أهل مكة (يَكِيدُونَ كَيْدًا) يجتهدون في نصب المكائد وإطفاء نوره، يسمونه شعراً وسحراً وكهانة. (وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) بإفاضته النعم عليهم، والعافية في مقابلة ذلك؛ استدراجاً ليزدادوا.
(فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ... (١٧) إلى الوقت المضروب لهم في علمه تعالى. (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) إمهالًا يسيراً، كرر؛ مبالغة في التسكين والتصبير، وخالف؛ لأنه أوكد من مجرد التكرار.
* * *
تمت سورة الطارق، والحمد للخالق، والصلاة على الكامل الصادق، وآله وصحبه ما لمع شارق.
* * *
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).