تفسير سورة الطارق

تفسير البغوي

تفسير سورة سورة الطارق من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي.
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

فنجويه أنا مخلد بن جعفر ثنا الحسن بن علويه أنا إسماعيل بن عيسى ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَخْبَرَنِي مُقَاتِلٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ فِي صَدْرِ اللَّوْحِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، دِينُهُ الْإِسْلَامُ وَمُحَمَّدٌ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَصَدَّقَ بِوَعْدِهِ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، قَالَ: وَاللَّوْحُ لَوْحٌ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ طُولُهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَعَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَحَافَّتَاهُ الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ وَدَفَّتَاهُ يَاقُوتَةٌ حمراء، وفلمه نور وكلامه قديم، وكل شيء فيه مستور.
وقيل: أعلاه مَعْقُودٌ بِالْعَرْشِ، [وَأَصْلُهُ فِي حِجْرِ مَلَكٍ، قَالَ مُقَاتِلٌ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ] [١].
سُورَةُ الطَّارِقِ
مكية [وهي سبع عشرة آية] [٢]
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢)
وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١).
«٢٣٢٩» قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتْحَفَهُ بِخُبْزٍ وَلَبَنٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالَسٌ يَأْكُلُ إِذِ انْحَطَّ نَجْمٌ فَامْتَلَأَ مَاءً ثُمَّ نَارًا، فَفَزِعَ أَبُو طَالِبٍ وَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا نَجْمٌ رُمِيَ بِهِ وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، فَعَجِبَ أَبُو طَالِبٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١).
وَهَذَا قسم، والطارق النَّجْمُ يَظْهَرُ بِاللَّيْلِ، وَمَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ. وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢).
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ٣ الى ٩]
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧)
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)
٢٣٢٩- باطل لا أصل له. عزاه المصنف للكلبي، وسنده إليه أول الكتاب، وهذا معضل، والكلبي كذاب يصنع الحديث، وقد رواه عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس كما في «الجامع لأحكام القرآن» ٦٢٩٧- بترقيمي.
- وقد أقرّا بالكذب على ابن عباس، ورويا عنه تفسيرا موضوعا.
- قال الثوري: قال لي الكلبي: قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك عن ابن عباس، فهو كذب.
- راجع ترجمتهما في «الميزان» ١/ ٤٩٦.
- وقال الحافظ في «الشاف الكاف» ٤/ ٧٣٤: هكذا ذكره الثعلبي والواحدي بدون إسناد. وانظر «تفسير القرطبي» ٦٢٩٧ بتخريجي.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع.
ثم فسره قال: النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣)، أَيِ الْمُضِيءُ الْمُنِيرُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُتَوَهِّجُ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ بِهِ الثُّرَيَّا، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ النَّجْمُ. وَقِيلَ: هُوَ زُحَلُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ، [تَقُولُ الْعَرَبُ لِلطَّائِرِ إِذَا لَحِقَ بِبَطْنِ السَّمَاءِ ارْتِفَاعًا] [١] : قَدْ ثَقَبَ.
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ، جَوَابُ الْقَسَمِ، لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ لَمَّا بِالتَّشْدِيدِ يَعْنُونَ مَا كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ يجعلون (لما) بمنزلة (إِلَّا) يَقُولُونَ: نَشَدْتُكَ اللَّهَ لَمَّا قُمْتَ، أَيْ إِلَّا قُمْتَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ جَعَلُوا مَا صِلَةً، مَجَازُهُ: إِنَّ كُلَّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا حافظ، وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ مِنْ رَبِّهَا يَحْفَظُ عَمَلَهَا وَيُحْصِي عَلَيْهَا مَا تَكْتَسِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ يَحْفَظُهَا وَيَحْفَظُ قَوْلَهَا وَفِعْلَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إِلَى الْمَقَادِيرِ، ثُمَّ يُخَلِّي عَنْهَا.
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥)، أي فليتفكر مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ رَبُّهُ، أَيْ فَلْيَنْظُرْ نَظَرَ الْمُتَفَكِّرِ.
ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦)، مَدْفُوقٍ أَيْ مَصْبُوبٍ فِي الرَّحِمِ، وَهُوَ الْمَنِيُّ، فَاعِلٌ بِمَعْنَى مفعول كقوله: عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة: ٧ والحاقة: ٢١]، وَالدَّفْقُ الصَّبُّ وَأَرَادَ مَاءَ الرَّجُلِ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْهُمَا، وَجَعَلَهُ وَاحِدًا لِامْتِزَاجِهِمَا.
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧)، يَعْنِي صلب الرجل وترائب المرأة والترائب جمع التربية وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ وَالنَّحْرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ. وَرَوَى الْوَالِبِيُّ عَنْهُ: بَيْنَ ثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ:
النَّحْرُ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الصَّدْرُ.
إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨)، قَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى رَدِّ النُّطْفَةِ فِي الْإِحْلِيلِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الصُّلْبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مَاءً كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ لِقَادِرٌ.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بن حيان: إن شئت رددته مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ وَمِنَ الشَّبَابِ إِلَى الصِّبَا وَمِنَ الصِّبَا إِلَى النُّطْفَةِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهُ عَلَى حَبْسِ ذَلِكَ الْمَاءِ لِقَادِرٌ حَتَّى لَا يَخْرُجَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى بعث الإنسان وإعادته بعد الموت قَادِرٌ. وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ.
لِقَوْلِهِ: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩)، وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْلَى السَّرَائِرُ تُظْهَرُ الْخَفَايَا. قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ:
تُخْتَبَرُ الْأَعْمَالُ. قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: السَّرَائِرُ فَرَائِضُ الْأَعْمَالِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهَا سَرَائِرُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَبْدِ، فَلَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لَقَالَ: صُمْتُ وَلَمْ يَصُمْ، وَصَلَّيْتُ وَلَمْ يُصَلِّ، وَاغْتَسَلْتُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَيُخْتَبَرُ حَتَّى يَظْهَرَ مَنْ أَدَّاهَا مِمَّنْ ضَيَّعَهَا.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: بِيَدَيِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلُّ سِرٍّ فَيَكُونُ زَيْنًا فِي وُجُوهٍ وَشَيْنًا فِي وُجُوهٍ، يَعْنِي مَنْ أَدَّاهَا كَانَ وَجْهُهُ مُشْرِقًا وَمَنْ ضَيَّعَهَا كَانَ وَجْهُهُ أَغْبَرَ.
[سورة الطارق (٨٦) : الآيات ١٠ الى ١٧]
فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
(١) سقط من المخطوط. [.....]
سورة الطارق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّارق) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (البلد)، وقد افتُتحت بالدلالة على عظمةِ الله، وتدبيره لهذا الكون، ودللت على بعثِ اللهِ الخلائقَ بعد موتهم، وإحصائه أعمالَهم، ومحاسبتِهم عليها؛ فليراجع الإنسانُ نفسَه قبل فوات الأوان! و(الطَّارق): هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

ترتيبها المصحفي
86
نوعها
مكية
ألفاظها
61
ترتيب نزولها
36
العد المدني الأول
16
العد المدني الأخير
17
العد البصري
17
العد الكوفي
17
العد الشامي
17

* سورة (الطَّارق):

سُمِّيت سورة (الطَّارق) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ اللهِ بـ{اْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، والطارق: هو النَّجْمُ الذي يطلُعُ ليلًا.

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ في الظُّهر والعصر بسورة (الطارق):

عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ والعصرِ بـ{وَاْلسَّمَآءِ وَاْلطَّارِقِ}، {وَاْلسَّمَآءِ ذَاتِ اْلْبُرُوجِ}، ونحوِهما مِن السُّوَرِ». أخرجه أبو داود (٨٠٥).

1. مظاهر قدرة الله في خَلْق الإنسان (١-١٠).

2. حقيقة القرآن الكريم (١١-١٤).

3. أحوال الكافرين المكذِّبين (١٥-١٧).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /101).

يقول ابنُ عاشور عن مقصودها: «إثباتُ إحصاءِ الأعمال، والجزاءِ على الأعمال.

وإثبات إمكان البعث بنقضِ ما أحاله المشركون؛ ببيانِ إمكان إعادة الأجسام.
وأُدمِج في ذلك التذكيرُ بدقيق صُنْعِ الله، وحِكْمته في خَلْق الإنسان.
والتنويه بشأن القرآن.
وصدق ما ذُكِر فيه من البعث؛ لأن إخبارَ القرآن به لمَّا استبعَدوه وموَّهوا على الناس بأن ما فيه غيرُ صدقٍ.

وتهديد المشركين الذين ناوَوُا المسلمين.
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدُه بأن الله منتصرٌ له غيرَ بعيد». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /258).