
وقضى، وهذا رد على المنافقين
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ أي هل تنتظرون بنا إلا إحدى أمرين: إما الظفر والنصر، وإما الموت في سبيل الله وكل واحد من الخصلتين حسن بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ المصائب وما ينزل من السماء أو عذاب الآخرة أَوْ بِأَيْدِينا يعني القتل فَتَرَبَّصُوا تهديد قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ تضمن الأمر هنا معنى الشرط، فاحتاج إلى جواب، والمعنى: لن يتقبل منكم سواء أنفقتم طوعا أو كرها، والطوع والكره عموم في الإنفاق أي: لن يتقبل على كل حال وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا تعليل لعدم قبول نفقاتهم بكفرهم، ويحتمل أن يكون إنهم كفروا فاعل ما منعهم، أو في موضع مفعول من أجله والفاعل الله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها قيل: العذاب في الدنيا بالمصائب، وقيل: ما ألزموا من أداء الزكاة وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ إخبار بأنهم يموتون على الكفر وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ أي من المؤمنين يَفْرَقُونَ يخافون لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أي ما يلجأ إليه من المواضع أَوْ مَغاراتٍ هي الغيران في الجبال أَوْ مُدَّخَلًا وزنه مفتعل من الدخول ومعناه نفق أو سرب في الأرض يَجْمَحُونَ أي يسارعون وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ أي يعيبك على قسمتها، والآية في المنافقين كالتي قبلها وبعدها وقيل: في ذي الخويصرة الذي قال:
اعدل يا محمد فإنك لم تعدل. فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم:
«ويلك إن لم أعدل فمن يعدل «١» الحديث» وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا الآية: ترغيب لهم فيما هو خير لهم، وجواب لو محذوف تقديره: لكان ذلك خيرا لهم.
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ الآية: إنما هنا تقتضي حصر الصدقات وهي الزكاة في هذه الأصناف الثمانية، فلا يجوز أن يعطى منها غيرهم، ومذهب مالك أن تفريقها

في هؤلاء الأصناف إلى اجتهاد الإمام، فله أن يجعلها في بعض دون بعض، ومذهب الشافعي: أنه يجب أن تقسم على جميع هذه الأصناف بالسواء، واختلف العلماء هل الفقير أشد حاجة من المسكين أو بالعكس؟ فقيل: هما سواء، وقيل الفقير الذي يسأل الناس ويعلم حاله، والمسكين ليس كذلك وَالْعامِلِينَ عَلَيْها أي الذين يقبضونها ويفرقونها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ كفار يعطون ترغيبا في الإسلام، وقيل: هم مسلمون يعطون ليتمكن إيمانهم، واختلف هل بقي حكمهم أو سقط للاستغناء عنهم وَفِي الرِّقابِ يعني العبيد يشترون ويعتقون وَالْغارِمِينَ يعني من عليه دين، ويشترط أن يكون استدان في غير فساد ولا سرف وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني الجهاد فيعطى منها المجاهدون ويشتري منها آلات الحرب، واختلف هل تصرف في بناء الأسوار وإنشاء الأساطيل؟ وَابْنِ السَّبِيلِ هو الغريب المحتاج فَرِيضَةً أي حقا محمودا: ونصبه على المصدر، فإن قيل. لم ذكر مصرف الزكاة في تضاعيف ذكر المنافقين؟ فالجواب أنه حصر مصرف الزكاة في تلك الأصناف ليقطع طمع المنافقين فيها، فاتصلت هذه الآية في المعنى بقوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات الآية وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ يعني من المنافقين وإذايتهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم بالأقوال والأفعال وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ أي يسمع كل ما يقال له ويصدّقه، ويقال: إنّ قائل هذه المقالة هو نبيل بن الحارث وكان من مردة المنافقين، وقيل: عتاب بن قيس قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي يسمع الخير والحق وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ أي يصدقهم يقال: آمنت لك إذا صدقتك، ولذلك تعدّى هذا الفعل بإلى وتعدّى يؤمن بالله بالباء وَرَحْمَةٌ بالرفع عطف على أذن، وبالخفض على خير يَحْلِفُونَ يعني المنافقين وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ تقديره: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك، فهما جملتان حذف الضمير من الثانية لدلالة الأولى عليها، وقيل: إنما وحد الضمير لأن رضا الله ورسوله واحد مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ يعني من يعادي ويخالف فَأَنَّ لَهُ إن هنا مكررة تأكيدا للأولى، وقيل: بدل منها، وقيل:
التقدير فواجب أن له، فهي في موضع خبر مبتدأ محذوف يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ يعني في شأنهم سورة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، والضمائر في عليهم وتنبئهم وقلوبهم تعود على المنافقين، وقال الزمخشري: إن الضمير في عليهم وتنبئهم للمؤمنين، وفي قلوبهم للمنافقين، والأول أظهر قُلِ اسْتَهْزِؤُا تهديد إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ صنع ذلك بهم