آيات من القرآن الكريم

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

قال الفَخْر «١» : قوله: وَهُمْ يَجْمَحُونَ أي: يسرعون إِسراعاً لا يرد وجوههم شَيْء، ومِنْ هذا يقال: جمح الفَرَسُ، وفَرَسٌ جَمُوحٌ، وهو الذي إِذا حَمَلَ، لم يردّه اللجام، انتهى.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩)
وقوله عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ... الآية: أَيْ: ومن المنافقين مَنْ يلمزك، أيْ: يعيبُكَ ويأخذ منك في الغَيْبة ومنه قولُ الشاعر: [البسيط]

ومنه قوله سبحانه: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة: ١] وقوله سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... الآية: المعنى: لو أن هؤلاء المنافقين رَضُوا قِسْمَةَ اللَّهِ الرزْقَ لهم، وما أعطاهم على يدِ رَسُولِهِ، وأقرُّوا بالرغْبَةِ إِلى اللَّهِ، لكان خَيْراً لهم، وحُذِفَ الجوابُ، لدلالة ظاهر الكَلاَمِ عليه، وذلك مِنْ فصيحَ الكلامِ وإيجازه.
إِذَا لَقِيتُكَ تُبْدِي لِي مُكَاشَرَة وَإِنْ أَغِيبُ فَأَنْتَ الهَامِزُ اللُّمَزَهْ «٢»
[سورة التوبة (٩) : آية ٦٠]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
وقوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ... الآية: إِنَّمَا في هذه الآيةِ حاصرةٌ تقتضي وقوفَ الصَدقاتِ على الثمانيةِ الأصناف، وإِنما أُخْتُلِفَ في صُورَة القِسْمَةِ، ومَذْهَب مالكٍ وغيره أَنَّ ذَلِكَ عَلى قَدْر الاجتهاد، وبحسب الحاجة، وأما الفقيرُ والمِسْكين، فقال ابن عبَّاس والحسن ومجاهدٌ والزُّهْرِيُّ وابن زَيْد وغيرهم: المَسَاكِينُ: الذين يَسْعَوْنَ وَيَسْأَلُونَ، والفقراء: الذين يتصَاوَنُون «٣»، وهذا القولُ أحسنُ ما قيل في هذا، وتحريره أن الفقيرَ هو الذي لا مَالَ له إِلا أنه لم يذلَّ نفسه، ولا يذلُّ وجهه وذلك إِما لتعفُّفٍ مفرط،
(١) ينظر: «تفسير الرازي» (١٦/ ٧٧).
(٢) البيت لزياد الأعجمي، ينظر: «الكشاف» (٤/ ٧٩٥)، «البحر المحيط» (٨/ ٥٠٩)، و «القرطبي» (٢٠/ ١٢٤)، و «الدر المصون» (٦/ ٥٦٨)، و «فتح القدير» (٥/ ٤٩٤).
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره (٦/ ٣٩٥) برقم: (١٦٨٣٤- ١٦٨٣٩) نحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٤٨)، والبغوي في «تفسيره» (٢/ ٣٠٢)، والسيوطي (٣/ ٤٤٩)، عن ابن عباس نحوه، وزاد نسبته إلى ابن المنذر والنحاس (٣/ ٤٥٠) عن الزهري بنحوه، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة.

صفحة رقم 188

وإِما لِبُلغَةٍ تكون له، كالحَلُوبة وما أشبهها، والمسكينُ هو الذي يقترن بفقره تذلُّل وخضوعٌ وسؤالٌ، فهذه هي المَسْكَنَة ويقوِّي هذا أن اللَّه سبحانه قد وَصَف بني إِسرائيل بالمَسْكَنة، وقَرَنها بالذِّلَّة مع غناهم، وإِذا تأمَّلت ما قلناه، بَانَ أنهما صِنْفان موجُودَان في المسلمين.
ت: وقد أكْثر الناس في الفَرْق بين الفَقِير والمِسْكِين، وأوْلَى ما يعوَّل عليه ما ثبت في ذلك عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد رَوَى مالكٌ، عن أبي الزِّنَادِ «١» عن الأعرج «٢» عن أبي هريرة أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «لَيْسَ المِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، إِنَّمَا المِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ» «٣»، انتهى. وأوَّل أبو عمر في «التمهيد» هذا الحديثَ، فقال: كأنه أراد- واللَّه أعلم- ليس المسكينُ على تمامِ المَسْكَنة، وعلى الحقيقة، إِلا الذي لا يسأل النّاس.
انتهى.

(١) عبد الله بن ذكوان الأموي، مولاهم، أبو الزّناد المدني، يكنى: أبا عبد الرحمن، كان أحد الأئمة، عن أنس، وابن عمر، وعمر بن أبي سلمة مرسلا. قال البخاري: أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة. قال الواقدي: مات فجأة سنة ثلاثين ومائة. قال الحافظ شمس الدين الذهبي: ولي بعض أمور بني أمية فتكلم فيه لأجل ذلك، وهو ثقة حجة لا يعلق به جرح.
ينظر: «الخلاصة» (٢/ ٥٣)، «تهذيب الكمال» (٢/ ٦٧٩)، «تهذيب التهذيب» (٥/ ٢٠٣) و «تقريب التهذيب» (١/ ٤١٣)، «الكاشف» (٢/ ٨٤)، «الثقات» (٧/ ٦).
(٢) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي، مولاهم، أبو داود المدني الأعرج، القارئ عن أبي هريرة، ومعاوية، وأبي سعيد، وعنه الزهري، وأبو الزّبير، وأبو الزّناد، وخلق، وثقه جماعة.
قال أبو عبيد: توفي سنة سبع عشرة ومائة بالإسكندرية. ينظر ترجمته في: «الخلاصة» (٢/ ٥٣- ٥٤) (٣٤٨٠).
(٣) ورد ذلك من حديث أبي هريرة، وابن مسعود: فأما حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري (٣/ ٣٩٨) في «الزكاة» باب: قول الله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً (١٤٧٦، ١٤٧٩)، و (٨/ ٥٠) في «التفسير» باب: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً (٤٥٣٩)، ومسلم (٢/ ٧١٩- ٧٢٠) في «الزكاة»، باب:
المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له، فيتصدق عليه (١٠١- ١٠٢- ١٠٣٩)، وأبو داود (١/ ٥١٣) في «الزكاة» باب: من يعطى من الصدقة وحد الغنى (١٦٣١- ١٦٣٢)، والنسائي (٥/ ٨٦) في «الزكاة» باب: تفسير المسكين، ومالك (٩٢٣١٢) في صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم باب: ما جاء في المساكين (٧)، وأحمد (٢/ ٢٦٠، ٣١٦، ٣٩٣، ٣٩٥، ٤٥٧، ٤٦٩)، والدارمي (١/ ٣٧٩) في «الزكاة»، باب: المسكين الذي يتصدق عليه، وأبو يعلى (٦٣٣٧)، والحميدي (١٠٥٩)، والبيهقي (٧/ ١١) من طرق عنه.
وأما حديث ابن مسعود، فأخرجه أحمد (١/ ٣٨٤، ٤٤٦)، وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ١٠٨)، وأبو يعلى (٥١١٨) عن إبراهيم بن مسلم الهجري عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود مرفوعا به.
قال الهيثمي (٣/ ٩٥) : رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. [.....]

صفحة رقم 189
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية