
التدَارُكِ، ووجَبَ عليهم المحذورُ، ثم وقفهم «بِأَيِّ حديثٍ» أو أمْرٍ يقعُ إيمانُهم وتَصْدِيقُهم إِذا لم يقع بأمْرٍ فيه نجاتُهم، ودخولُهم الجَنَّةَ ونحو هذا المعنى قولُ الشاعر: [الطويل]
........................ وَعنْ أَيّ نَفْسٍ دُونَ نَفْسِي أُقَاتِلُ «١»
والضمير في بَعْدَهُ يراد به القُرْآن.
وقيل: المراد به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقصَّتُهُ وأمْرُهُ أجْمَعَ، وقيل: هو عائد على الأجَلِ، أي:
بعد الأجل، إِذ لا عَمَلَ بعد الموت.
وقوله سبحانه: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ... الآية: هذا شرطٌ وجوابٌ، مضمَّنه اليأْسُ منهم، والمَقْتُ لهم لأن المراد أَنَّ هذا قد نزل بهم، والطغيان: الإفراطُ في الشيء، وكأنه مستعملٌ في غير الصَّلاح، والعمه: الحيرة.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٨٧ الى ١٨٨]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧) قُلْ لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)
وقوله سبحانك: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ، قال قتادة: السائِلُونَ: هم قريش «٢».
وقال ابن عباس: هم أحبار اليهود «٣».
ت: وفي «السِّيرَة» لابنِ هشامٍ: أَن السائلين من أحبار اليهود: حَمَلُ بْنُ أبي قُشَيْرٍ، وَسَمَوْءلُ بْنُ زَيْدٍ. انتهى.
والساعة: القيامة مُوِّتَ كُلّ من كان حَيًّا حينئذٍ، وبعث الجميع، وأَيَّانَ: معناه مَتَى، وهي مبنيَّةٌ على الفتْحِ، قال الشاعر: [الرجز]
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ١٣٦) برقم: (١٥٤٧٣) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٨٤)، والبغوي (٢/ ٢١٩) بنحوه، والسيوطي (٣/ ٢٧٤)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ١٣٦) برقم: (١٥٤٧٤) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٨٤)، والسيوطي (٣/ ٢٧٤)، وعزاه لابن إسحاق، وابن جرير، وأبي الشيخ.

أَيَّانَ تَقْضِيَ حَاجَتِي أَيَّانَا | أَمَا ترى لِفعْلِهَا أبانا «١» |
وقوله سبحانه: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، قيل: معناه: ثَقُلَ أنْ تُعْلَم ويُوقَفَ عَلى حقيقةٍ وَقْتها، وقال الحسنُ بن أبي الحَسَن: معناه: ثَقُلَتْ هيئتها والفزعُ عَلَى/ أَهْل السموات «٢» والأرض، لاَ تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً، أي: فجأةً.
وقوله سبحانه: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها، قالَ ابن عبَّاس وغيره: المعنى يسألونك كأنكَ حَفِيٌّ، أي: مُتْحَفٌ ومُهْتَبِلٌ «٣» بهم، وهذا ينحُو إلى ما قالَتْ قريشٌ: يا محمَّدُ، إِنا قرابَتُكَ، فأخبرْنا بوَقْت السَّاعة.
وقال ابن زَيْد وغيره: معناه: كأنك حفيٌّ في المسألة عَنْها، والاشتغالِ بها، حتى حصَّلَتْ علمها «٤».
وقرأ ابن عبَّاس «٥» فيما ذكر أبو حاتم: «كأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهَا».
وقوله سبحانه: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ قال الطَّبريُّ: معناه: لا يعلمُونَ أنَّ هذا الأَمْرَ لا يعلمه إِلا اللَّهُ، بل يظنُّ أكثرهم أنه ممَّا يعلمه البَشَرُ.
وقوله سبحانه: قُلْ لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ... الآية: هذا أمر بأنْ يبالِغَ في الاستسلام، ويتجَّردَ من المشاركةِ في قُدْرة اللَّه، وغَيْبِه، وأنَّ يصفَ نفسه لهؤلاءِ السائلين بأنه لا يملكُ من منافع نفسه ومضارِّها إِلا مَا سَنَّى اللَّه وشاء ويسّر، وهذا
(٢) أخرجه الطبري (٦/ ١٣٧- ١٣٨) برقم: (١٥٤٨٥) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٨٤)، والبغوي (٢/ ٢١٩- ٢٢٠).
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ١٣٩) برقم: (١٥٤٩١) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٨٤)، وابن كثير (٢/ ٢٧١)، والسيوطي (٣/ ٢٧٥)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٤) أخرجه الطبري (٦/ ١٤٠) برقم: (١٥٥٠٣) بنحوه، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٨٤)، وابن كثير (٢/ ٢٧١).
(٥) وقرأ بها ابن مسعود كما في «الشواذ» ص: (٥٣).
وينظر: «المحتسب» (١/ ٢٦٩)، و «الكشاف» (٢/ ١٨٥) و «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٨٤- ٤٨٥)، و «البحر المحيط» (٤/ ٤٣٣)، و «الدر المصون» (٣/ ٣٨١).