آيات من القرآن الكريم

قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

الأمور كلّها بيد الله وحده وعلم الغيب مختصّ بالله تعالى وحقيقة الرّسالة
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨٨]
قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)
المفردات اللغوية:
الْغَيْبَ هو ما غاب عنّا، وهو إما حقيقي: لا يعلمه أحد إلا الله، وإما إضافي نسبي يعلمه بعض الخلق بتعليم الله كالأنبياء والرّسل. الْخَيْرِ ما يرغب الناس فيه عادة من المنافع المادية كالمال، والمعنوية كالعلم. السُّوءُ ما يرغب عنه الناس لضرره كالفقر وغيره. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ أي ما أنا إلا منذر بالنّار للكافرين، والإنذار: التّبليغ المقترن بالتّخويف من العقاب على الكفر والمعاصي. والتّبشير: التّبليغ المقترن بالتّرغيب في الثّواب مع الإيمان والعمل الصالح.
والبشير: المبشر بالجنّة للمؤمنين.
سبب النزول:
روي أن أهل مكة قالوا: يا محمد، ألا يخبرك ربّك بالرّخص والغلاء حتى نشتري فنربح، وبالأرض التي تجدب لنرتحل إلى الأرض الخصبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
المناسبة:
بعد أن أخبر الله تعالى عن أنّ وقت الساعة (القيامة) لا يعلمه إلا الله وحده، أمر رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم أن يبيّن للناس أنّ كلّ الأمور بيده تعالى وحده، وأنّ علم الغيب كله عنده، وأنه لا يدّعي علم الغيب، إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ وبشير، كما قال تعالى في سورة يونس: وَيَقُولُونَ: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قُلْ:

صفحة رقم 196

لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً، إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ، لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ
[١٠/ ٤٨- ٤٩].
التفسير والبيان:
أمر الله تعالى رسوله أن يفوّض الأمور إليه، وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل، ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه، كما قال تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ...
[الجنّ ٧٢/ ٢٦- ٢٧].
قل أيها الرّسول للناس: إنّي لا أملك لنفسي ولا لغيري جلب أي نفع، ولا أستطيع دفع ضرر عنّي ولا عن غيري، إلا بمشيئة الله وقدرته، فيلهمني إيّاه ويوفّقني له.
وهذا يدلّ على إظهار العبودية، والتّبرّي من ادّعاء العلم بالغيوب، ومنصب الرّسالة لا يقتضي علم الساعة وغيرها من علم الغيب، فالغيب لله وحده.
وإنما وظيفة الرّسالة تبليغ الوحي المنزل، والتّعليم والإرشاد، وفيما عدا ذلك فإنّ الرّسول بشر كسائر الناس: قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ...
[الكهف ١٨/ ١١٠].
وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ كالمال ونحوه من المنافع، ولما أصابني السّوء، أي لاجتنبت ما يكون من الشّرّ قبل أن يكون، وتوقيت المضارّ قبل أن تقع.
وليس لي مزية عن البشر إلا بتبليغ الوحي عن الله بالإنذار والتّبشير، فما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة، نذير من العذاب، وبشير للمؤمنين بالجنّات، كما قال تعالى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ، وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مريم ١٩/ ٩٧].

صفحة رقم 197

وكوني المنذر والمبشر للمؤمنين: لأنهم هم المنتفعون بالإنذار والتّبشير.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه آية من أصول العقيدة والدّين، بيّنت حقيقة الرّسالة، وميّزتها عن الرّبوبية، وهدمت قواعد الشّرك والوثنية.
فما الرّسول إلا بشر مبلّغ عن الله ما يوحيه إليه، وهو قدوة صالحة للنّاس في العمل بما جاء به من عند الله، وليس له شيء من صفات الله وأفعاله، ولا سلطان له بالتأثير في الأشياء، لا نفعا ولا ضرّا، ولا خيرا ولا شرّا، ولا إيمانا ولا كفرا.
وبما أنّ الإيمان نفع والكفر ضرّ، فإنهما لا يحصلان إلا بمشيئة الله سبحانه، فهو الخالق للإيمان والكفر، والمريد لهما، والعبد هو الموجد ما خلق الله عنده من قدرة إما إلى الإيمان والخير، وإما إلى الكفر والشّرّ.
وليس أدلّ على الإقناع بعدم علم الرّسول بالغيب من أنه لو كان عالما بالغيب، لحقّق لنفسه منافع الدّنيا وخيراتها، من مال ومجد، وعظمة دولة، ونصر حربي، وتفوّق دائم، وأرباح ومكاسب كثيرة، ولدفع عن نفسه آفات الدّنيا ومضارّها، كالفقر والمرض والجرح والهزيمة ونحوها من ألوان السّوء والشّرّ، ولحذر من مكر الأعداء ومكائدهم، ولاستطاع التّمييز بين من تؤثر فيه الدّعوة إلى الدّين الحقّ ومن لا تؤثّر فيه.

صفحة رقم 198
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية