
وإن أطعتمونا لتفعلن كالذين فعلنا، فقد فعلناه منذ سنين، فما زادنا الله بذلك إلا خَيْراً. قالت الصالحة: ويلكم، لا تَغْتروا، [ولا] بأس الله، (سبحانه)، فكأنه نزل بكم، قالت لهم الطالحة: ف ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ﴾، الآية.
فهم فرقتان على قول الكلبي. وثلاث فرق على قول أكثر المفسرين.
قوله: ﴿فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ﴾، إلى قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
والمعنى: فلما تركت الطائفة التي نهيت عن السؤ، ما أمرها الله ( تعالى) به من ترك الاعتداء.
وقيل: نسوا موعظة من وعظهم من المؤمنين، {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء

وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}، أي: وجيع أليم. قاله ابن عباس.
وقيل: ﴿بَئِيسٍ﴾: رديء.
وقال مجاهد ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾: أليم شديد.
وقال قتادة ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾: موجع.
وقال ابن زيد ﴿بَئِيسٍ﴾: شديد.
قوله: ﴿فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ﴾.
أي: تجاوزوا وتمردوا. و " العاتي ": المتمرد المتجاوز في الحق.

﴿عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ﴾، [أي]: عن اعتدائهم في السبت، ﴿قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً﴾، فصاروا قردة، ﴿خَاسِئِينَ﴾، [أي]: مبعدين. وذلك في زمن داود، (عليه السلام)، وهو قوله: ﴿لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَانِ دَاوُودَ﴾ [المائدة: ٧٨]، صاروا قردة كلهم، ومسخوا في زمن عيسى (عليه السلام)، خنازير، فذلك قوله: ﴿على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٨].
قال ابن عباس: صار شباب القوم قردة، وشيوخهم خنازير.
يقال: خَسَأْتُ الكلب: أبعدته وطردته.

وقوله: ﴿قُلْنَا لَهُمْ (كُونُواْ)﴾.
جائز أن يكون أُمِرُوْا بذلك، فيكون أبلغ في الآية والقُدرة. وجائز أن يكون من قوله: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠].
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة﴾.
روى الأصبهاني عن أصحابه عن ورشٍ: (تأذَّنَ)، بتسهيل الهمزة.
والمعنى: واذكر، يا محمد، إذا أعْلَمَ رَبُّك.
فمعنى ﴿تَأَذَّنَ﴾: أَعْلَمَ والعرب تقول: " تعلم " بمعنى " أعلم ".
وقال مجاهد ﴿تَأَذَّنَ﴾: قال.

وقال قتادة ﴿تَأَذَّنَ رَبُّكَ﴾: أمر ربك.
ومعنى: ﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾.
أي: ليبعثن على اليهود ﴿مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب﴾، وهو قتلهم إن لم يؤدوا الجزية، وذلتهم إن ودوها.
قال ابن عباس: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد، ﷺ، وأمته، إلى يوم القيامة.
قال ابن المُسَيَّب: يستحب أن يبعث الأنباط في الجزية.
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب﴾.
أي: لمن استوجب منهم العقوبة.
﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
أي: لسائر ذنوب من تاب، متعطف عليه.