آيات من القرآن الكريم

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

لكن عمل الخير من الكافر يفيده في الدنيا، كالتصدق على الفقراء، وصلة الأرحام، وترك الفواحش والمنكرات، واستقامة السيرة والسلوك، فبسبب هذه الأعمال الخيرة، يدفع الله عن الكافر الشرور والمصائب، ويقيه من عظائم الأحداث، ومهاوي الشر والضرر.
اتخاذ السامري العجل
في كل قوم أناس ضالون ومهدّمون للعقائد والقيم والأخلاق، ومن هؤلاء موسى السامري الذي اتخذ عجلا من حلي النساء تقليدا للمصريين في عهد فرعون الذين كانوا يعبدون الأصنام والأوثان من شمس وغيرها، ثم اتخذه الإسرائيليون إلها في غيبة موسى لمناجاة ربه، وعبدوه من دون الله. قال الله تعالى واصفا هذه القصة:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤٨ الى ١٤٩]
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩)
«١» «٢» «٣» [الأعراف: ٧/ ١٤٨- ١٤٩].
يمر بعض الناس في فترة ضعف، ويعودون أحيانا إلى العقلية البدائية إما جهلا وغباء، وإما عنادا وتكبرا وسوء نية، وإما تأثرا بالبيئة والأعراف السائدة، وقد وقع بنو إسرائيل في هذه الحالة، فطلبوا مرة من موسى أن يجعل لهم إلها من الأصنام، كما للكنعانيين آلهة من الأوثان، فزجرهم موسى وأبان لهم أنهم جهال في هذا المطلب.
واستغل موسى السامري فرصة غياب موسى عليه السلام لمناجاة ربه، فصنع

(١) مجسّدا من ذهب.
(٢) صوت كصوت البقر.
(٣) ندموا ندما شديدا.

صفحة رقم 724

عجلا من الحلي له خوار، متأثرا بداء التقليد، حيث شاهد المصريين يعبدون الأصنام والأوثان والكواكب من شمس وغيرها، وتم الصنع كما حكى يحيى بن سلام عن الحسن البصري أنه قال: استعار بنو إسرائيل حلي القبط ليوم الزينة، فلما أمر موسى أن يسري بهم ليلا، تعذر عليهم رد العواري (الأشياء المستعارة) وخشوا أيضا أن يفتضح سرهم، ثم إن الله نفّلهم إياه.
ويروي أن السامري- واسمه موسى بن ظفر من قرية سامرة- قال لهارون حين ذهب موسى إلى المناجاة: يا هارون، إن بني إسرائيل قد بددوا الحلي الذي أستعير من القبط، وتصرفوا فيه، وأنفقوا منه، فلو جمعته حتى يرى موسى فيه رأيه، فجمعه هارون، فلما اجتمع قال للسامري: أنت أولى الناس بأن يختزن عندك، فأخذه السامري- وكان صائغا- فصاغ منه صورة عجل، وهو ولد البقرة، جسدا، أي جثة وجمادا، وقيل: كان جسدا بلا رأس، وقيل: إن الله جعل له لحما ودما. قال ابن عطية: وهذا (أي جعل اللحم والدم له) ضعيف لأن الآثار في أن موسى برده بالمبارد، تكذب ذلك.
وكان لهذا العجل خوار: وهو صوت البقر، اتخذه السامري بحيله صناعية، ثم اتخذه بنو إسرائيل إلها لهم، ثم عبدوه. وبالرغم من أن المتخذ واحد منهم وهو السامري، إلا أن هذا الاتخاذ نسب إليهم جميعا لأنه عمل برأي جمهورهم، ولم يحصل منهم إنكار عملي، فكأنهم راضون به مجمعون عليه.
رد الله على هؤلاء ردا عقليا مبسطا واضحا، مضمونه أن هذا العجل المتخذ من حلي الذهب أو الفضة إلها لا يستحق التأليه، بدليل قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ أي ألم ينظروا ويتأملوا أنه فاقد لمقومات الإله، فلا هو يكلمهم ولا يرشدهم إلى خير، ولا يهديهم سبيل

صفحة رقم 725

السعادة، اتخذوه بلا دليل ولا برهان، بل عن جهل وتقليد لغيرهم كالمصريين الذين يعبدون العجل (أبيس) والكنعانيين في فلسطين، فكانوا بذلك ظالمين لأنفسهم أن عبدوا ما لا ينفعهم، وإنما يضرهم.
ولما عاد موسى من مناجاة ربه في الميقات الذي خصص له، وكان قد أخبره الله تعالى، وهو على جبل الطور، باتخاذ قومه عبادة العجل، كما قال تعالى: قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) [طه: ٢٠/ ٨٥] لما عاد موسى، ندم بنو إسرائيل على ما فعلوا، وهذا هو معنى قوله سبحانه: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ورأوا أنهم قد ضلوا ضلالا بعيدا بعبادة العجل، فتابوا واستغفروا ربهم، وتبينوا وجه الحق في أن الله هو الإله المعبود بحق، لا هذا العجل وغيره من الأصنام، وقالوا: إن لم يرحمنا ربنا، بقبول توبتنا، ومغفرة ذنبنا، لنكونن من القوم الهالكين، ومن الذين خسروا سعادة الدنيا وهي الحرية والاستقلال في الأرض، ومن الذين خسروا أيضا سعادة الآخرة، وهي الإقامة في جنات النعيم، وهذا اعتراف صريح منهم بذنبهم، والتجاء إلى الله عز وجل في أن يتقبل منهم التوبة، ويعفو عما وقعوا فيه من الذنب الكبير، وهو اتخاذ العجل إلها.
وهذا مثل واضح للانحراف، وبيان لطريق العدول عنه، وهو التوبة الخالصة لله عز وجل، والندم على ما حدث، والإصرار على عدم العودة إلى مثل ذلك الذنب في المستقبل.
إجراءات موسى حول اتخاذ العجل إلها
إن مهمة كل نبي أو رسول أن يبادر إلى إصلاح أخطاء قومه، وإرشادهم إلى صواب الأمور، إما بالوعظ والإرشاد، وإما باقتلاع المنكر من جذوره، وتصحيح الأوضاع والأحوال، وإما بعتاب المقصر أو المخطئ، وقد فعل موسى عليه السلام

صفحة رقم 726
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر - دمشق
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية