آيات من القرآن الكريم

وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ

يحتمل: أنهم كانوا مؤمنين من قبل فكذبوا الآيات، فكفروا بها، فحبطت الأعمال التي كانت لهم في حال الإيمان، وبطلت.
ويحتمل: (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ): المعروف الذي كانوا يفعلون في حال الكفر؛ من نحو صلة الرحم، والصدقات وغيره من المعروف، والخيرات التي عملوا بها، حبط ثواب ذلك كله إذا لم يأتوا بالإيمان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
أي: ما يجزون إلا ما كانوا يعملون من الاستهزاء بالآيات والاستخفاف.
* * *
قوله تعالى: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا).
قوله: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى) كيفية وصف اتخاذ العجل ما ذكر في سورة طه بقوله: (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ...)، الآية، وصف اللَّه - تعالى - قوم موسى بعضهم بالهداية، والعدالة، واتباع الحق بقوله: قوله تعالى: (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)، وبعضهم وصفهم بالسفَاهَة، وقلة الفهم والضعف في الدِّين بقولهم: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) وقال: هاهنا: اتخذوا العجل إلهًا عبدوه، يذكر هذا - واللَّه أعلم - لما لم يعرفوا نعم اللَّه ولم يتفكروا في آياته وحججه، يذكر هذا لنا لننظر في آياته وحججه والتفكر في نعمه، فنؤدي شكرها، ونتدبر في آياته وحججه لنتبعها ولا نضيعها على

صفحة رقم 40

ما ضيع قوم موسى.
وقوله: (مِنْ بَعْدِهِ) أي: من بعد مفارقة موسى قومه.
وقوله: (مِنْ حُلِيِّهِمْ)، وقال في موضع آخر: (أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ)، وكانت تلك الحلي عارية عندهم من قوم فرعون، بقوله: (أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) أضاف إلى فرعون، وأضاف هاهنا إلى قوم موسى، بقوله: (مِنْ حُلِيِّهِمْ) دل أن العارية يجوز أن تنسب إلى المستعير.
وفيه دلالة أن من حلف: لا يدخل دار فلان، فدخل دارًا له عارية عنده يحنث.
وقوله: (عِجْلًا جَسَدًا).

صفحة رقم 41

قَالَ بَعْضُهُمْ: صورته كانت صورة عجل، ولم يكن عجلاً في جوهره.
وقيل: الجسد هو الذي لا تدبير له، ولا تمييز، ولا بيان؛ لكنه ذكر فيه هنا ما لا يحتاج إلى هذا، وهو قوله: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا) لكنه كأنه قال: عجلًا له جسد يذكر سفههم أنهم عبدوا من لا تدبير له ولا كلام ولا سبب للذي يغتر به أو دعاء، واختاروا، الهيئة من وصفه ما ذكر.
وقوله: (لَهُ خُوَارٌ) قيل: إن السامري قد أخذ قبضة من أثر الرسول، فألقى تلك القبضة في الحلي الذي ألقوه في النار؛ فصار شبه عجل له خوار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: صاغ من حليهم عجلاً؛ فنفخ فيه من تلك القبضة فخار خوارًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: إن السامري كان هيأ ذلك العجل الذي اتخذه بحال حتى إذا مسه وحركه: خار.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان وضع في مهب الريح فيدخل الريح في دبره، ويخرج من فيه، فعند ذلك يخور. واللَّه أعلم.
وقوله: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا).
ذكر أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، وفي سورة طه: (وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا) ليس فيه أنه إن كان يكلمهم أو يملك لهم ضرًا ونفعًا يجوز أن يعبد؛ ليعلم أن ذكر حظر الحكم في حالٍ لا يوجب إباحة ذلك في حالٍ أخرى.
وفيه: أن امتناع العلة عن اطرادها يوجب نقضها، وإن كان اطرادها في الابتداء في معلولاتها لم يدل على صحتها.

صفحة رقم 42
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية