آيات من القرآن الكريم

يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯ

الْقَوْمِ وَجَعَلَهُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِمْ فَماذا تَأْمُرُونَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لِقَوْلِهِ: فَماذا تَأْمُرُونَ غَيْرَ الَّذِي قَالُوا أَرْجِهْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: فَماذا تَأْمُرُونَ كَلَامٌ لِغَيْرِ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ. وَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ الْقَوْمَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِيمٌ ثم قالوا لفرعون ولا كابر خَدَمِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ ثُمَّ أَتْبَعُوهُ بِقَوْلِهِمْ:
أَرْجِهْ وَأَخاهُ فَإِنَّ الْخَدَمَ وَالْأَتْبَاعَ يُفَوِّضُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ إِلَى الْمَخْدُومِ وَالْمَتْبُوعِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرُونَ مَا حَضَرَ فِي خَوَاطِرِهِمْ مِنَ الْمَصْلَحَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: فَماذا تَأْمُرُونَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ الْقَوْمِ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَنْسُوقٌ عَلَى كَلَامِ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِهِمْ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّتْبَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْأَمْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَماذا تَأْمُرُونَ خِطَابًا مِنَ الْأَدْنَى مَعَ الْأَعْلَى وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ فِرْعَوْنَ مَعَهُ.
وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الثَّانِي: بِأَنَّ الرَّئِيسَ الْمَخْدُومَ قَدْ يَقُولُ لِلْجَمْعِ الْحَاضِرِ عِنْدَهُ مِنْ رَهْطِهِ وَرَعِيَّتِهِ مَاذَا تَأْمُرُونَ؟ وَيَكُونُ غَرَضُهُ مِنْهُ تَطْيِيبَ قُلُوبِهِمْ وَإِدْخَالَ السُّرُورِ فِي صُدُورِهِمْ وَأَنْ يُظْهِرَ مِنْ نَفْسِهِ كَوْنَهُ مُعَظِّمًا لَهُمْ وَمُعْتَقِدًا فِيهِمْ ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهَذَا الْخِطَابِ هُوَ فِرْعَوْنُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلرَّئِيسِ الْمُطَاعِ مَا تَرَوْنَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَيْ مَا تَرَى أَنْتَ وَحْدَكَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّكَ وَحْدَكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجَمَاعَةِ. وَالْغَرَضُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى كَمَالِهِ وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ وَحَالِهِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ بِهَذَا الْخِطَابِ هُوَ فِرْعَوْنَ وَأَكَابِرَ دَوْلَتِهِ وَعُظَمَاءَ حَضْرَتِهِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَقِلُّونَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ والله اعلم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١١ الى ١١٤]
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤)
[في قوله تعالى قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ أَرْجِهْ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَالْإِشْبَاعِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ أَرْجِهْ بِغَيْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عامر وابو عمر وارجئه بِالْهَمْزِ وَضَمِّ الْهَاءِ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ كَثِيرٍ أَشْبَعَ الْهَاءَ عَلَى أَصْلِهِ وَالْبَاقُونَ لَا يُشْبِعُونَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْجِهْ مَهْمُوزٌ وَغَيْرُ مَهْمُوزٍ لُغَتَانِ يُقَالُ أَرْجَأْتُ الْأَمْرَ وَأَرْجَيْتُهُ إِذَا أَخَّرْتَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ [التَّوْبَةِ: ١٠٦] وتُرْجِي مَنْ تَشاءُ [الْأَحْزَابِ: ٥١] قُرِئَ فِي الْآيَتَيْنِ بِاللُّغَتَيْنِ وَأَمَّا قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ بِغَيْرِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ عَلَى الْهَاءِ الْمُكَنَّى عَنْهَا فِي الْوَصْلِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا وَأَنْشَدَ:
فَيُصْلِحُ الْيَوْمَ وَيُفْسِدُهُ غَدًا
قَالَ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ فَيَقُولُونَ: هَذِهِ طَلْحَهْ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَنْشَدَ لَمَّا رَأَى أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَعْ

صفحة رقم 331

ثُمَّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَلَا وَجْهَ لِهَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فِي الْقِيَاسِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا شِعْرٌ لَا نَعْرِفُ قَائِلَهُ وَلَوْ قَالَهُ شَاعِرٌ مَذْكُورٌ لَقِيلَ لَهُ أَخْطَأْتَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: أَرْجِهْ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: الْإِرْجَاءُ التَّأْخِيرُ فَقَوْلُهُ: أَرْجِهْ أَيْ أَخِّرْهُ وَمَعْنَى أَخِّرْهُ: أَيْ أَخِّرْ أَمْرَهُ وَلَا تَعْجَلْ فِي أَمْرِهِ بِحُكْمٍ فَتَصِيرَ عَجَلَتُكَ حُجَّةً عَلَيْكَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ حَاوَلُوا مُعَارَضَةَ مُعْجِزَتِهِ بِسِحْرِهِمْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَقْوَى فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قول الكلبي وقتادة أَرْجِهْ احسبه. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِرْجَاءَ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّأْخِيرُ لَا الْحَبْسُ، وَالثَّانِي: أَنَّ فِرْعَوْنَ مَا كَانَ قَادِرًا/ عَلَى حَبْسِ مُوسَى بَعْدَ مَا شَاهَدَ حَالَ الْعَصَا.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا كَثِيرِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي طِبَاعِ الْخَلْقِ مَعْرِفَةَ الْمُعَارَضَةِ وَأَنَّهَا إِذَا أَمْكَنَتْ فَلَا نُبُوَّةَ وَإِذَا تَعَذَّرَتْ فَقَدْ صَحَّتِ النُّبُوَّةُ وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ السِّحْرَ مَا هُوَ وَهَلْ لَهُ حَقِيقَةٌ أَمْ لَا بَلْ هُوَ مَحْضُ التَّمْوِيهِ فَقَدْ سَبَقَ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نَقَلَ الْوَاحِدِيُّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيِّ: أَنَّهُ قَالَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا فَعِيلَةٌ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ مَدَنَ بِالْمَكَانِ يَمْدُنُ مُدُونًا إِذَا أَقَامَ بِهِ وَهَذَا الْقَائِلُ يَسْتَدِلُّ بِإِطْبَاقِ الْقُرَّاءِ عَلَى همزه الْمَدَائِنِ وَهِيَ فَعَائِلُ كَصَحَائِفَ وَصَحِيفَةٍ وَسَفَائِنَ وَسَفِينَةٍ وَالْيَاءُ إِذَا كَانَتْ زَائِدَةً فِي الْوَاحِدِ هُمِزَتْ فِي الْجَمْعِ كَقَبَائِلَ وَقَبِيلَةٍ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ لَمْ تُهْمَزْ فِي الْجَمْعِ نَحْوَ مَعَايِشَ وَمَعِيشَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَفْعِلَةٌ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَعْنَى الْمَدِينَةِ الْمَمْلُوكَةُ مِنْ دَانَهُ يَدِينُهُ فَقَوْلُنَا مَدِينَةٌ مِنْ دَانَ مِثْلُ مَعِيشَةٍ مِنْ عَاشَ وَجَمْعُهَا مَدَايِنُ عَلَى مَفَاعِلَ كَمَعَايِشَ غير مهموز ويكون اسما لمكان وَالْأَرْضِ الَّتِي دَانَهُمُ السُّلْطَانَ فِيهَا أَيْ سَاسَهُمْ وَقَهَرَهُمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ الْمُبَرِّدُ مَدِينَةٌ أَصْلُهَا مديونة من دانه إذا قهره وساسه فاستقلوا حَرَكَةَ الضَّمَّةِ عَلَى الْيَاءِ فَسَكَّنُوهَا وَنَقَلُوا حَرَكَتَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا وَاجْتَمَعَ سَاكِنَانِ الْوَاوُ الْمَزِيدَةُ الَّتِي هِيَ وَاوُ الْمَفْعُولِ وَالْيَاءُ الَّتِي هِيَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ وَحَذْفُ الزَّائِدِ أَوْلَى مِنْ حَذْفِ الْحَرْفِ الْأَصْلِيِّ ثُمَّ كَسَرُوا الدَّالَ لِتَسْلَمَ الْيَاءُ فَلَا تَنْقَلِبُ وَاوًا لِانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا فَيَخْتَلِطُ ذَوَاتُ الْوَاوِ بِذَوَاتِ الْيَاءِ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَبِيعِ وَالْمَخِيطِ وَالْمَكِيلِ ثُمَّ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَعِيلَةٌ لِاجْتِمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى هَمْزِ الْمَدَائِنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يُرِيدُ وَأَرْسِلْ فِي مَدَائِنِ صَعِيدِ مِصْرَ رِجَالًا يَحْشُرُوا إِلَيْكَ مَا فِيهَا مِنَ السَّحَرَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَ رُؤَسَاءُ السَّحَرَةِ بِأَقْصَى مَدَائِنِ الصَّعِيدِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ سَاحِرًا سِوَى رَئِيسِهِمْ وَكَانَ الَّذِي يُعَلِّمُهُمْ رَجُلًا مَجُوسِيًّا مِنْ أَهْلِ نِينَوَى بَلْدَةِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْمَوْصِلِ. وَأَقُولُ هَذَا النَّقْلُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمَجُوسَ أَتْبَاعُ زَرَادِشْتَ وَزَرَادِشْتُ إِنَّمَا جَاءَ بعد

صفحة رقم 332

مَجِيءِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكُلِّ سَحَّارٍ وَالْبَاقُونَ بِكُلِّ سَاحِرٍ فَمَنْ قَرَأَ سَحَّارٍ فَحُجَّتُهُ أَنَّهُ قَدْ وُصِفَ بِعَلِيمٍ وَوَصْفُهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى تَنَاهِيهِ فِيهِ وَحِذْقِهِ بِهِ فَحَسُنَ لِذَلِكَ أَنْ يُذْكَرَ بِالِاسْمِ الدَّالِّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي السِّحْرِ وَمَنْ قَرَأَ سَاحِرٍ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ [الْأَعْرَافِ: ١٢٠] ولَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ [الشعراء:
٤٠] وَالسَّحَرَةُ جَمْعُ سَاحِرٍ مِثْلَ كَتَبَةٍ وَكَاتِبٍ وَفَجَرَةٍ وَفَاجِرٍ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [الأعراف: ١١٦] وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ سَحَرُوا سَاحِرٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: بِكُلِّ ساحِرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى مَعَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بَاءُ التَّعْدِيَةِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السَّحَرَةَ كَانُوا كَثِيرِينَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ مُعْجِزَةَ كُلِّ نَبِيِّ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَمَّا كَانَ السِّحْرُ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ زَمَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مُعْجِزَتُهُ شَبِيهَةً بِالسِّحْرِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلسِّحْرِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَمَّا كَانَ الطِّبُّ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ زَمَانِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ مُعْجِزَتُهُ مِنْ جِنْسِ الطِّبِّ وَلَمَّا كَانَتِ الْفَصَاحَةُ غَالِبَةً عَلَى أَهْلِ زَمَانِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا جَرَمَ كَانَتْ مُعْجِزَتُهُ مِنْ جِنْسِ الْفَصَاحَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ إِنَّ لَنا لَأَجْراً بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْبَاقُونَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ عَلَى أَصْلِهِ وَالْبَاقُونَ بِهَمْزَتَيْنِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الِاسْتِفْهَامُ أَحْسَنُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَعْلَمُوا هَلْ لَهُمْ أَجْرٌ أَمْ لَا؟ وَيَقْطَعُونَ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الْأَجْرَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ إِجْمَاعُهُمْ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ عَلَى الْهَمْزِ لِلِاسْتِفْهَامِ وَحُجَّةُ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ وَلَكِنَّهُمَا حَذَفَا ذَلِكَ مِنَ اللَّفْظِ وَقَدْ تُحْذَفُ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مِنَ اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي الْمَعْنَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ [الشُّعَرَاءِ: ٢٢] فَإِنَّهُ يَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ او تلك بالاستفهام وكما في قوله: هذا رَبِّي [الانعام: ٧٨] وَالتَّقْدِيرُ أَهَذَا رَبِّي وَقِيلَ: أَيْضًا الْمُرَادُ أَنَّ السَّحَرَةَ أَثْبَتُوا لِأَنْفُسِهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَجْرٍ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: إِنَّ لَهُ لَإِبِلًا وَإِنَّ لَهُ لَغَنَمًا يَقْصِدُونَ الْكَثْرَةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يقول: هلا قل: وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا وَجَوَابُهُ: هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ: سَائِلٌ سَأَلَ: مَا قَالُوا إِذْ جَاءُوهُ.
فَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً أَيْ جُعْلًا عَلَى الْغَلَبَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ مَعْطُوفٌ وَمَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ؟
وَجَوَابُهُ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ سَدَّ مَسَدَّهُ حَرْفُ الْإِيجَابِ كَأَنَّهُ قَالَ إِيجَابًا لِقَوْلِهِمْ إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا نَعَمْ إِنَّ لَكُمْ لَأَجْرًا وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ. أَرَادَ أَنِّي لَا أَقْتَصِرُ بِكُمْ عَلَى الثَّوَابِ بَلْ أَزِيدُكُمْ عَلَيْهِ وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ

صفحة رقم 333
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية