
قوله تعالى: وَإِنْ وَجَدْنا قال أبو عبيدة: وما وجدنا أكثرهم إلّا الفاسقين.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٧]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧)
قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ يعني: الأنبياء المذكورين.
قوله تعالى: فَظَلَمُوا بِها قال ابن عباس: فكذَّبوا بها. وقال غيره: فجحدوا بها.
قوله تعالى: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ «على» بمعنى الباء. قال الفراء: العرب تجعل الباء في موضع «على» تقول: رميت بالقوس، وعلى القوس، وجئت بحال حسنة، وعلى حال حسنة. وقال أبو عبيدة: «حقيق» بمعنى: حريص. وقرأ نافع، وأبان عن عاصم: «حقيق عليَّ» بتشديد الياء وفتحها، على الاضافة. والمعنى: واجب عليَّ.
قوله تعالى: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ قال ابن عباس: يعني: العصا. فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي: أطلق عنهم وكان قد استخدمهم في الأعمال الشاقة. فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ قال أبو عبيدة: أي:
حية ظاهرة. قال الفراء: الثعبان: أعظم الحيات، وهو الذكر. وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس:
الثّعبان: الحيّة الذّكر.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٨ الى ١٢٢]
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧)
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢)
قوله تعالى: وَنَزَعَ يَدَهُ قال ابن عباس: أدخل يده في جيبه، ثم أخرجها، فاذا هي تبرق مثل البرق، لها شعاع غلب نور الشمس، فخرَّوا على وجوههم ثم أدخلها جيبه فصارت كما كانت. قال مجاهد: بيضاء من غير برص.
قوله تعالى: فَماذا تَأْمُرُونَ قال ابن عباس: ما الذي تشيرون به عليَّ؟ وهذا يدل على أنه من قول فرعون، وأن كلام الملأ انقطع عند قوله: مِنْ أَرْضِكُمْ. قال الزجاج: يجوز أن يكون من قول الملأِ، كأنهم خاطبوا فرعون ومن يخصه، أو خاطبوه وحده لأنه قد يقال للرّئيس المطاع: ماذا ترون؟

قوله تعالى: أَرْجِهْ قرأ ابن كثير «أرجئهو» مهموز بواو بعد الهاء في اللفظ. وقرأ ابن عمرو مثله، غير أنه يضم الهاء ضمة، من غير أن يبلغ بها الواو وكانا يهمزان: «مرجئون» و «ترجئ» وقرأ قالون والمسيّبي عن نافع «أرجهِ» بكسر الهاء، ولا يبلغ بها الياء، ولا يهمز. وروى عنه ورش:
«أرجهي» يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم والهاء. وكذلك قال إسماعيل بن جعفر عن نافع، وهي قراءة الكسائي. وقرأ حمزة: «أرجهْ» ساكنة الهاء غير مهموز، وكذلك قرأ عاصم في غير رواية المفضل، وقد روى عنه المفضل كسر الهاء من غير إشباع ولا همز، وهي قراءة أبي جعفر، وكذلك اختلافهم في سورة (الشعراء) «١». قال ابن قتيبة: أرِّجْهُ: أخّره وقد يهمز، يقال: أرجأت الشيء، وأرجيته. ومنه قوله: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ «٢». قال الفراء: بنو أسد تقول: أرجيت الأمر، بغير همز، وكذلك عامة قيس وبعض بني تميم يقولون: أرجأت الأمر، بالهمز، والقراء مولَعون بهمزها، وترك الهمز أجود.
قوله تعالى: وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ يعني مدائن مصر، حاشِرِينَ أي: من يحشر السحرة إليك ويجمعهم. وقال ابن عباس: هم الشرط. قوله تعالى: يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ قرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: «ساحرٍ» وفي (يونس) : بِكُلِّ سَحَّارٍ»
وقرأ حمزة والكسائي:
«سحّارٍ» في الموضعين ولا خلاف في (الشّعراء) أنّها: سَحَّارٍ «٤».
قوله تعالى: إِنَّ لَنا لَأَجْراً قرأ ابن كثير، ونافع، وحفص عن عاصم إِنَّ لَنا لَأَجْراً مكسورة الألف على الخبر، وفي (الشعراء) :«آينَّ» ممدودة مفتوحة الألف، غير أن حفصا روى عن عاصم في (الشعراء) :«أإن» «٥» بهمزتين. وقرأ أبو عمرو: «آين لنا» ممدودة في السورتين. وقرأ أبن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: بهمزتين في الموضعين. قال أبو علي: الاستفهام أشبه بهذا الموضع، لأنهم لم يقطعوا على أن لهم الأجر، وإنما استفهموا عنه.
قوله تعالى: وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي: ولكم مع الأجر المنزلة الرفيعة عندي.
قوله تعالى: سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ قال أبو عبيدة: عَشَّوْا أعين الناس وأخذوها. وَاسْتَرْهَبُوهُمْ أي: خوَّفوهم. وقال الزجاج: استَدعَوا رهبتهم حتى رهبهم الناس.
قوله تعالى: فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ وقرأ كعاصم: تَلْقَفُ ساكنة اللام، خفيفة القاف هاهنا وفي (طه)، و (الشعراء). وروى البزّيّ. وابن فُلَيح عن ابن كثير: «تلقف» بتشديد التاء. قال الفراء: يقال:
لقفْتُ الشيء، فأنا ألقَفُه لَقفْاً ولَقَفاناً والمعنى: تبتلع.
قوله تعالى: ما يَأْفِكُونَ أي: يكذبون، لأنهم زعموا أنها حيّات.
قوله تعالى: فَوَقَعَ الْحَقُّ قال ابن عباس: استبان. وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من السحر.
(الإشارة إلى قصتهم) اختلفوا في عدد السحرة على ثلاثة عشر قولاً. أحدها: اثنان وسبعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: اثنان وسبعون ألفاً، روي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال مقاتل. والثالث: سبعون،
(٢) سورة الأحزاب: ٥١.
(٣) سورة يونس: ٧٩.
(٤) سورة الشعراء: ٣٧. [.....]
(٥) سورة الشعراء: ٤١.