آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ
ﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١ الى ١٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)
أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤)
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)
حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ. إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ قال قتادة وابن زيد:
هي لَيْلَةُ الْقَدْرِ، أنزل الله تعالى القرآن فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ من أم الكتاب إلى السّماء الدّنيا، ثمّ أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلم في الليالي والأيام، وقال الآخرون: هي ليلة النصف من شعبان.
أخبرنا الحسين بن محمّد فنجويه، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم، حدثنا إبراهيم المستملي الهستجاني، حدثنا أبو حصين بن يحيى بن سليمان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا أبو بكر بن أبي سبره، عن إبراهيم بن محمد، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «إذا كان ليلة النصف من شعبان، قوموا ليلتها وصوموا يومها، فإنّ الله تعالى ينزل لغروب الشمس إلى سمّاه الدّنيا فيقول: ألّا مستغفر فأغفر له، ألّا مسترزق فأرزقه، ألّا مبتلى فأعافيه، ألّا مبتلى فأعافيه، ألّا كذا، ألّا كذا، ألّا كذا، حتّى يطلع الفجر
، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ»
[٢١٠] «١».
فِيها يُفْرَقُ يفصل. كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ محكم. قال الحسن ومجاهد وقتادة: يبرم في ليلة القدر من شهر رمضان كلّ أجل وعمل وخلق ورزق، وما يكون في تلك السنة، وقال أبو عبد الرّحمن السلمي: يدبر أمر السنة في ليلة القدر، وقال هلال بن نساف: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان.
وقال عكرمة: في ليلة النصف من شعبان، يبرم فيه أمر السنة، وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج، فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.
يدل عليه ما
أخبرنا عقيل بن محمد، أخبرنا أبو الفرج القاضي، أخبرنا محمد بن جبير، حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، حدثني أبي، حدثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المغيرة الأخنس، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان. حتّى أنّ الرجل لينكح ويولد له، وقد خرج أسمه في الموتى» [٢١١] «٢».
أَمْراً أي أنزلنا أمرا. مِنْ عِنْدِنا من لدنا، وقال الفراء: نصب على معنى نفرق كل
(١) كنز العمال: ١٢/ ٣١٤، ح ٣٥١٧٧.
(٢) كنز العمال: ١٥/ ٦٩٤، ح ٤٢٧٨٠.

صفحة رقم 349

أمر فرق وأمرا. إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ محمد صلّى الله عليه وسلم إلى عبادنا. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وقيل: أنزلناه رحمة، وقيل: أرسلناه رحمة، وقيل: الرحمة.
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما كسر أهل الكوفة (بائه) ردا على قوله مِنْ رَبِّكَ، ورفعه الآخرون ردا على قوله هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وإن شئت على الابتداء.
إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ إنّ الله رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فأيقنوا إنّ محمدا رسوله، وإنّ القرآن تنزيله. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ. رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ فَارْتَقِبْ فانتظر. يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ.
اختلفوا في هذا الدّخان، ما هو، ومتى هو،
فروى الأعمش ومسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا، وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل، فقال: يا أبا عبد الرّحمن، إنّ قاصا عند أبواب كنده، يقص ويقول في قوله تعالى: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ إنّه دخان يأتي يوم القيامة، فيأخذ بأنفاس الكفّار والمنافقين وأسماعهم وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام، فقام عبد الله وجلس، وهو غضبان، فقال: يا أيّها الناس اتقوا الله، من علم شيئا فليقل ما يعلم، ومن لا يعلم، فليقل الله أعلم، فأن الله تعالى، قال لنبيه صلّى الله عليه وسلم قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ «١» وسأحدثكم عن ذلك: أنّ قريشا لما أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم دعا عليهم، فقال: «اللهم سبع سنين كسني يوسف «٢» » [٢١٢]. فأصابهم من الجهد والجوع ما أكلوا الجيف والعظام والميتة والجلود، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلّا الدخان من ظلمة أبصارهم من شدة الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حرب، فقال: يا محمد إنّك حيث تأمر بالطاعة وصلة الرحم، وإنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم فإنّهم لك مطيعون.
فقال الله تعالى: فقالوا:
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ فدعا فكشف عنهم، فقال الله تعالى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ إلى كفركم. يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر، فهذه خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والرّوم.
وقال الآخرون: بل هو دخان يجيء قبل قيام السّاعة، فيدخل في أسماع الكفّار والمنافقين، حتّى تكون كالرأس الحنيذ، ويعتري المؤمن منهم كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه وليس فيه خصاص.

(١) سورة ص: ٨٦
(٢) صحيح ابن حبان: ١٤/ ٥٤٩ تفاوت بسير.

صفحة رقم 350

قالوا: ولم يأت بعد، وهو آت وهذا قول ابن عباس وابن عمير والحسن وزيد بن علي، يدل عليه ما
أنبأني عقيل بن محمد، أخبرنا المعافا بن زكريا، أخبرنا محمد بن جرير، حدثنا عصام بن داود الجراح، حدثنا أبي، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور بن المعتمر عن ربعي ابن حراش، قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنّ أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق النّاس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا» [٢١٣] «١».
قال حذيفة: يا رسول الله ما الدخان؟ فتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذه الآية: يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة. أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر كمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.
وبه عن ابن جرير، حدثنا يعقوب، حدثنا ابن عليه، عن ابن جريح، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتّى أصبحت. قلت: لم؟
قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدّخان قد طرق فما نمت حتّى أصبحت.
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى من أين لهم للتذكير والاتعاظ بعد نزول البلاء وحلول العذاب. وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ محمّد صلّى الله عليه وسلم. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ يعلمه بشر. مَجْنُونٌ إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ إلى كفركم، وقال قتادة:
عائدون في عذاب الله.
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى وهو يوم بدر. إِنَّا مُنْتَقِمُونَ هذا قول أكثر العلماء، وقال الحسن: هو يوم القيامة.
وروي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال ابن مسعود: الْكُبْرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة.

(١) كنز العمال: ١٤/ ٢٥٩، ح ٣٨٦٤٥.

صفحة رقم 351
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية