
ويكتب ذلك لهم إلى مثلها من العام المقبل. قال هلال بن يساف كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان. وروي في بعض الحديث عن النبي ﷺ «إن الرجل يتزوج ويعرس وقد خرج اسمه في الموتى، لأن الآجال تقطع في شعبان».
وقرأ الحسن والأعرج والأعمش: «يفرق» بفتح الياء وضم الراء. و: حَكِيمٍ بمعنى محكم.
وقوله: أَمْراً مِنْ عِنْدِنا نصب على المصدر. وقوله: مِنْ عِنْدِنا صفة لقوله: أَمْراً.
وقوله: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ يحتمل أن يريد الرسل والأنبياء، ويحتمل أن يريد الرحمة التي ذكر بعد، وعلى التأويل الأول نصب قوله: رَحْمَةً على المصدر، ويحتمل أن يكون نصبها على الحال.
وقوله: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ تقرير وتثبيت، أي إن كنت موقنا بهذا يكون يقينك، كما تقول لإنسان تقيم نفسه: العلم غرضك إن كنت رجلا.
وقوله: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي مالككم ومالك آبائكم الأولين.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «ربّ السماوات» بالرفع على القطع والاستئناف، وهي قراءة الأعرج وابن أبي إسحاق وأبي جعفر وشيبة. وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالكسر على البدل مِنْ رَبِّكَ المتقدم، وهي قراءة ابن محيصن والأعمش. وأما قوله تعالى: «ربّكم وربّ» فالجمهور على رفع الباء. وقرأ الحسن بالكسر، رواها أبو موسى عن الكسائي.
وقوله تعالى: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ إضراب قبله نفي مقدر، كأنه يقول: ليس هؤلاء ممن يؤمن ولا ممن يتبع وصاة، بل هم في شك يلعبون في أقوالهم وأعمالهم.
واختلف الناس في الدخان الذي أمر الله تعالى بارتقابه، فقالت فرقة منها علي بن أبي طالب وزيد بن علي وابن عمر وابن عباس والحسن بن أبي الحسن وأبو سعيد الخدري: هو دخان يجيء قبل يوم القيامة يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين حتى تكون كأنها مصلية حنيذة. وقالت فرقة منها عبد الله بن مسعود وأبو العالية وإبراهيم النخعي: هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا عليهم النبي ﷺ بسبع كسبع يوسف، فكان الرجل يرى من الجدب والجوع دخانا بينه وبين السماء، وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل. وقال ابن مسعود: خمس قد مضين، الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم وذكر الطبري حديثا عن حذيفة أن رسول الله ﷺ قال: «إن أول آيات الساعة الدخان، ونزول عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عدن»، وضعف الطبري سند هذا الحديث، واختار قول ابن مسعود رضي الله عنه في الدخان قال: ويحتمل إن صح حديث حذيفة أن يكون قد مر دخان ويأتي دخان.
قوله عز وجل:
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١١ الى ١٨]
يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨)

يَغْشَى معناه: يغطي.
وقوله تعالى: هذا عَذابٌ أَلِيمٌ يحتمل أن يكون إخبارا من الله تعالى، كأنه يعجب منه على نحو من قوله تعالى لما وصف قصة الذبح: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات: ١٠٦]، ويحتمل أن يكون هذا عَذابٌ أَلِيمٌ من قول الناس، كأن تقدير الكلام: يقولون هذا عذاب أليم، ويؤيد هذا التأويل سياقه حكاية عنهم أنهم يقولون رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، وعلم الله تعالى أن قولهم في حال الشدة إِنَّا مُؤْمِنُونَ إنما هو عن غير حقيقة منهم، فدل على ذلك بقوله: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى، أي من أين لهم أن يتذكروا وهم قد تركوا الذكرى وراء ظهورهم بأن جاءهم رسول مبين، وهو محمد عليه السلام فكفروا به. وتَوَلَّوْا عَنْهُ أي أعرضوا، وقالوا إنه يعلم هذا الكلام الذي يتلو وأنه مَجْنُونٌ، وإخباره تعالى بأنه يكشف عنهم الْعَذابِ قَلِيلًا إخبار عن إقامة الحجة عليهم ومبالغة في الإملاء لهم، ثم أخبرهم بأنهم عائدون إلى الكفر. وقال قتادة: هو توعد بمعاد الآخرة، ثم أخبرهم بأنه ينتقم منهم بسبب هذا كله في يوم البطشة، وقدم اليوم وذكره على الذي عمل فيه تهمما به وتخويفا منه، والعامل فيه مُنْتَقِمُونَ، وقد ضعف البصريون هذا من حيث هو خبر إن، وأبعدوا أن يعمل خبرها فيما قبلها، وقالوا العامل فعل مضمر يدل عليه مُنْتَقِمُونَ.
واختلف الناس في يوم الْبَطْشَةَ الْكُبْرى، فقال ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة: هو يوم القيامة وقال عبد الله بن مسعود وابن عباس أيضا وأبي بن كعب ومجاهد: هو يوم بدر.
وقرأ جمهور الناس: «نبطش» بفتح النون وكسر الطاء. وقرأ الحسن بن أبي الحسن: بضم الطاء.
وقرأ الحسن أيضا وأبو رجاء وطلحة بن مصرف: بضم النون وكسر الطاء، ومعناها: نسلط عليهم من يبطش بهم، ثم ذكر تعالى قوم فرعون على جهة المثال لقريش.
و: فَتَنَّا معناه: امتحنا واختبرنا. والرسول الكريم: قال قتادة: هو موسى عليه السلام، ومعنى الآية يعطي ذلك بلا خلاف وهنا متروك يدل عليه الظاهر، تقديره قال لهم: أَدُّوا هذا، مأخوذ من الأداء، كأنه يقول: أن ادفعوا إلي وأعطوني ومكنوني.
واختلف المتأولون في الشيء المؤدى في هذه الآية ما هو؟ فقال مجاهد وابن زيد وقتادة: طلب منهم أن يؤدوا إليه بني إسرائيل وإياهم أراد بقوله: عِبادَ اللَّهِ وقال ابن عباس المعنى: اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق، فقوله: عِبادَ اللَّهِ منادى مضاف، والمؤدى هي الطاعة والإيمان والأعمال.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من شرع موسى عليه السلام أنه بعث إلى دعاء فرعون إلى الإيمان،