آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥ

غيره: «أَمْراً مِنْ عِنْدِنا» أي: إِنا نأمر بنَسخ ما يُنسخ من اللوح إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ الأنبياء، رَحْمَةً منّا بخلقنا. رَبِّ السَّماواتِ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «ربُّ» بالرفع. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: «ربِّ» بكسر الباء. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: بَلْ هُمْ يعني الكفار فِي شَكٍّ مما جئناهم به يَلْعَبُونَ يهزئون به.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ١٠ الى ١٦]
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤)
إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)
فَارْتَقِبْ أي: فانتطر يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ اختلفوا في هذا الدخان ووقته على ثلاثة أقوال «١» أحدها: أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة.
(١٢٥٥) فروي عن ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الدُّخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزّكام. وروى عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوتُ على ابن عباس ذاتَ يوم، فقال: ما نمتُ الليلة حتى أصبحتُ، قلت: لم؟ قال: طلع الكوكب ذو الذَّنَب، فخشيتُ أن يطرق الدخان، وهذا المعنى مروي عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن.
والثاني: أن قريشاً أصابهم جوع، فكانوا يرون بينهم وبين السماء دخانا من الجوع.

لم أره عن ابن عباس سواء مرفوعا أو موقوفا، ولعله سبق قلم. وورد من حديث جماعة من الصحابة فمن ذلك: حديث حذيفة بن اليمان: أخرجه الطبري ٣١٠٦١ وفيه رواد بن الجراح واه. وورد من حديث أبي مالك الأشعري، أخرجه الطبري ٣١٠٦٢ وإسناده حسن في الشواهد. وله شواهد متعددة تراجع في كتب أشراط الساعة.
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره»
٤/ ٢٢٨: وأولى القولين بالصواب في ذلك ما روي عن ابن مسعود من أن الدخان الذي أمر الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يرتقبه، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم، على ما وصفه ابن مسعود لأن الله جل ثناؤه توعّد بالدخان مشركي قريش وأن قوله لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم في سياق خطاب الله كفار قريش وتقريعه إياهم بشركهم بقوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ثم أتبع قوله لنبيه عليه الصلاة والسلام فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أمرا منه بالصبر إلى أن يأتيهم بأسه وتهديدا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدا لهم قد أحله بهم أشبه من أن يكون أخره عنهم لغيرهم.
قلت: وحديث ابن مسعود صحيح كالشمس كما سيأتي. لكنه رأي له. وقال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ١٦٥ بعد أن ساق أحاديث مرفوعة في أن الدخان هو عند قيام الساعة وعقب ذلك بآثار موقوفة ومنها أثر عن ابن عباس- وهو الآتي برواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس موقوفا. فقال: وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان التي أوردناها مما فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن، قال تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ أي بين واضح يراه كل أحد، وعلى ما فسره ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع، وهكذا قوله يَغْشَى النَّاسَ أي يتفشاهم ويعمهم، ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل: يَغْشَى النَّاسَ. اه.

صفحة رقم 88

(١٢٥٦) فروى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث مسروق، قال: كنا عند عبد الله، فدخل علينا رجل، فقال: جئتُكَ من المسجد وتركتُ رجلاً يقول في هذه الآية يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ: يغشاهم يومَ القيامة دخان يأخذ بأنفاسهم حتى يصيبَهم منه كهيئة الزكام فقال عبد الله: من عَلِم عِلْماً فلْيَقُل به، ومن لم يَعْلَم فلْيَقُل: الله أعلم، إنما كان هذا لأن قريشاً لمّا استعصت على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسنيِّ يوسف، فأصابهم قحط وجهد، حتى أكلوا العظام والميتة، وجعل الرجلُ ينظُر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فقالوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، فقال الله تعالى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ، فكشف عنهم، ثم عادوا إِلى الكفر، فأخذوا يومَ بدر، فذلك قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى، وإِلى نحو هذا ذهب مجاهد وأبو العالية والضحاك وابن السائب ومقاتل.
والثالث: أنه يوم فتح مكة لمّا حُجبت السماءُ بالغبرة، حكاه الماوردي.
قوله تعالى: هذا عَذابٌ أي: يقولون: هذا عذابٌ. رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ فيه قولان:
أحدهما: الجوع. والثاني: الدّخان إِنَّا مُؤْمِنُونَ بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن. أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى أي: من أين لهم التذكُّر والاتِّعاظ بعد نزول هذا البلاء، وحالهم أنه قد جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ أي: ظاهر الصِّدق؟! ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ أي: أعرضوا ولم يقبلوا قوله وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أي: هو معلَّم يعلِّمه بشر، مجنون بادعائه النُّبوَّة قال الله تعالى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا أي: زماناً يسيراً «١». وفي العذاب قولان: أحدهما:
الضُّرُّ الذي نزل بهم كُشف بالخِصب، هذا على قول ابن مسعود. قال مقاتل: كشفه إِلى يوم بدر.
والثاني: أنه الدخان، قاله قتادة. قوله تعالى: إِنَّكُمْ عائِدُونَ فيه قولان: أحدهما: إلى الشّرك، قاله ابن

صحيح الإسناد. أخرجه البخاري ٤٧٧٤ عن محمد بن كثير عن سفيان ثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق به. وأخرجه ابن حبان ٦٥٨٥ والطبراني ٩٠٤٨ وأبو نعيم في «الدلائل» ٣٦٩ من طريق محمد بن كثير به. وأخرجه البخاري ٤٦٩٣ والحميدي ١١٦ من طريق سفيان به. وأخرجه البخاري ٤٨٢٤ والترمذي ٣٢٥٤ وأحمد ١/ ٤٤١ من طريق شعبه عن الأعمش ومنصور به. وأخرجه البخاري ١٠٠٧ و ٤٨٢١ و ٤٨٢٢ و ٤٨٢٣ ومسلم ٢٧٩٨ ح ٤٠ والطبري ٣١٠٤٣ والطبراني ٩٠٤٦ و ٩٠٤٧ وأحمد ١/ ٣٨٠ و ٤٣١ والبيهقي في «الدلائل» ٢/ ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٣٢٦ من طرق عن الأعمش به. وأخرجه مسلم ٢٧٩٨ والطبري ٣١٠٤٥ والبيهقي ٢/ ٣٢٦ من طرق عن جرير عن منصور به.
__________
(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ١٦٦: وقوله إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ يحتمل معنيين أحدهما: أنه يقول تعالى: ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب، كقوله: وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ وكقوله: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ والثاني: أن يكون المراد: إنا مؤخرو العذاب عنكم قليلا بعد انعقاد سببه ووصوله كقوله تعالى: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ. ولم يكن العذاب، باشرهم واتصل بهم، بل كان قد انعقد سببه عليهم، ولا يلزم أيضا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه، قال الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال لقومه حين قالوا: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ: أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ. قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وشعيب عليه السلام لم يكن قط على ملتهم وطريقهم. اه.

صفحة رقم 89
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية