آيات من القرآن الكريم

۞ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما أَيْ شِقَاقًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُهُمَا إِلَّا أَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي قَوْلِهِ: إِنْ يُرِيدا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: إِنْ يُرِدِ الْحَكَمَانِ خَيْرًا وَإِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّه بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ. الثَّانِي: إِنْ يُرِدِ الْحَكَمَانِ إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّه بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. الثَّالِثُ: إِنْ يُرِدِ الزَّوْجَانِ إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّه بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. الرَّابِعُ: إِنْ يَرِدِ الزَّوْجَانِ إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّه بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ حَتَّى يَعْمَلَا بِالصَّلَاحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَصْلُ التَّوْفِيقِ الْمُوَافَقَةُ، وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَالتَّوْفِيقُ اللُّطْفُ الَّذِي يَتَّفِقُ عِنْدَهُ فِعْلُ الطَّاعَةِ، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ نِيَّةُ الْحَكَمَيْنِ إِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ يُوَفِّقِ اللَّه بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْوَعِيدُ لِلزَّوْجَيْنِ وَلِلْحَكَمَيْنِ فِي سُلُوكِ مَا يُخَالِفُ طريق الحق.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٦]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
النَّوْعُ التَّاسِعُ: مِنَ التَّكَالِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السورة قوله تعالى:
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَرْشَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْمُعَامَلَةِ الْحَسَنَةِ مَعَ الْآخَرِ وَإِلَى إِزَالَةِ الْخُصُومَةِ وَالْخُشُونَةِ، أَرْشَدَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى سَائِرِ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَذَكَرَ مِنْهَا عَشَرَةَ أَنْوَاعٍ.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: وَاعْبُدُوا اللَّهَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى وَحِّدُوهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ وَتَرْكٍ يُؤْتَى بِهِ لِمُجَرَّدِ أَمْرِ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَجَمِيعُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ ذَلِكَ بِالتَّوْحِيدِ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي الْعِبَادَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ. [الْبَقَرَةِ: ٢١] النَّوْعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِالْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ: وَاعْبُدُوا اللَّهَ أَمَرَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً لِأَنَّ مَنْ عَبَدَ مَعَ اللَّه غَيْرَهُ كَانَ مُشْرِكًا وَلَا يَكُونُ مُخْلِصًا، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْبَيِّنَةِ: ٥].
النَّوْعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً واتفقوا على أن هاهنا مَحْذُوفًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا كَقَوْلِهِ: فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّدٍ: ٤] أَيْ فَاضْرِبُوهَا، وَيُقَالُ: أَحْسَنْتُ بِفُلَانٍ، وَإِلَى فُلَانٍ.
قَالَ كُثَيِّرٌ:

صفحة رقم 75

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَرَنَ إِلْزَامَ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ فِي مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَثَانِيهَا:
قَوْلُهُ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لُقْمَانَ: ١٤] وَكَفَى بِهَذَا دَلَالَةً عَلَى تَعْظِيمِ حَقِّهِمَا وَوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْبِرِّ إِلَيْهِمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] وَقَالَ: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً [الْعَنْكَبُوتِ: ٨] وَقَالَ فِي الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ: وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً [لُقْمَانَ: ١٥]
وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ باللَّه وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ»
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اليمين اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ فَقَالَ أَبَوَايَ فَقَالَ:
أَبَوَاكَ أَذِنَا لَكَ فَقَالَ لَا فَقَالَ فَارْجِعْ وَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا»
.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْوَالِدَيْنِ هُوَ أَنْ يَقُومَ بِخِدْمَتِهِمَا، وَأَلَّا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَخْشُنَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمَا، وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَطَالِبِهِمَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ مِنَ الْبِرِّ، وَأَنْ لَا يُشْهِرَ عَلَيْهِمَا سِلَاحًا، وَلَا يَقْتُلَهُمَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ: إِلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ إِنْ تَرَكَ قَتْلَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِتَمْكِينِ غَيْرِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ،
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبَ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ وَكَانَ مُشْرِكًا.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبِذِي الْقُرْبى وَهُوَ أَمْرٌ بِصِلَةِ الرَّحِمِ كَمَا ذكر في أول السورة بقوله:
وَالْأَرْحامَ [النساء: ١].
وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْأَقَارِبِ أَيْضًا، إِلَّا أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ لَمَّا كَانَتْ مَخْصُوصَةً بِكَوْنِهَا أَقْرَبَ الْقَرَابَاتِ وَكَانَتْ مَخْصُوصَةً بِخَوَاصَّ لَا تَحْصُلُ فِي غَيْرِهَا، لَا جَرَمَ مَيَّزَهَا اللَّه تَعَالَى فِي الذِّكْرِ عَنْ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَرَابَةَ الْوِلَادِ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِقَرَابَةِ الرَّحِمِ.
النَّوْعُ الْخَامِسُ: قَوْلُهُ: وَالْيَتامى وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَتِيمَ مَخْصُوصٌ بِنَوْعَيْنِ مِنَ الْعَجْزِ: أَحَدُهُمَا: الصِّغَرُ، وَالثَّانِي: عَدَمُ الْمُنْفِقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ كَانَ فِي غَايَةِ الْعَجْزِ وَاسْتِحْقَاقِ الرَّحْمَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرْفُقُ بِهِمْ وَيُرَبِّيهِمْ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُمْ، وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا لَهُمْ فَلْيُبَالِغْ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ.
النَّوْعُ السَّادِسُ: قَوْلُهُ: وَالْمَساكِينِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَدِيمَ الْمَالِ إِلَّا أَنَّهُ لِكِبَرِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْرِضَ حَالَ نَفْسِهِ عَلَى الْغَيْرِ، فَيَجْلِبُ بِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ بِهِ ضَرَرًا، وَأَمَّا الْيَتِيمُ فَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمَ اللَّه الْيَتِيمَ فِي الذِّكْرِ عَلَى الْمِسْكِينِ، وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمِسْكِينِ إِمَّا بِالْإِجْمَالِ إِلَيْهِ، أَوْ بِالرَّدِّ الْجَمِيلِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضُّحَى: ٩].
النَّوْعُ السَّابِعُ: قَوْلُهُ: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى قِيلَ: هُوَ الَّذِي قَرُبَ جِوَارُهُ، وَالْجَارُ الْجُنُبُ هُوَ الَّذِي بَعُدَ جِوَارُهُ.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ أَلَا وَإِنَّ الْجِوَارَ أَرْبَعُونَ دَارًا» وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: أَرْبَعُونَ يُمْنَةً، وَأَرْبَعُونَ يُسْرَةً، وَأَرْبَعُونَ أَمَامًا وَأَرْبَعُونَ خَلْفًا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنَّ فُلَانَةً تَصُومُ النَّهَارَ وَتُصَلِّي الليل وفي لسنانها شَيْءٌ يُؤْذِي جِيرَانَهَا، أَيْ هِيَ سَلِيطَةٌ، فَقَالَ عليه الصلاة

صفحة رقم 76

وَالسَّلَامُ: «لَا خَيْرَ فِيهَا هِيَ فِي النَّارِ»
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤَدِّي حَقَّ الْجَارِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّه وَقَلِيلٌ مَا هُمْ أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ إِنِ افْتَقَرَ أَغْنَيْتَهُ وَإِنِ اسْتَقْرَضَ أَقْرَضْتَهُ وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ وَإِنْ أَصَابَهُ شَرٌّ عَزَّيْتَهُ وَإِنْ مَرِضَ عُدْتَهُ وَإِنْ مَاتَ شَيَّعْتَ جَنَازَتَهُ»
وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى: الْقَرِيبَ النَّسِيبَ، وَبِالْجَارِ الْجُنُبِ: الْجَارَ الْأَجْنَبِيَّ، وَقُرِئَ (وَالْجَارَ ذَا الْقُرْبَى) نَصْبًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ، كَمَا قُرِئَ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى [الْبَقَرَةِ: ٢٣٨] تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ حَقِّهِ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ مُوجِبَانِ.
الْجِوَارُ وَالْقَرَابَةُ.
النَّوْعُ الثَّامِنُ: قَوْلُهُ: وَالْجارِ الْجُنُبِ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَهُ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْجُنُبُ نَعْتٌ عَلَى وَزْنِ فُعُلٍ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ ضِدَّ الْقَرَابَةِ وَهُوَ الْبَعِيدُ. يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ إِذَا كَانَ غَرِيبًا مُتَبَاعِدًا عَنْ أَهْلِهِ، وَرَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ وَهُوَ الْبَعِيدُ مِنْكَ فِي الْقَرَابَةِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٥] أَيْ بَعِّدْنِي، وَالْجَانِبَانِ النَّاحِيَتَانِ لِبُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَمِنْهُ الْجَنَابَةُ مِنَ الْجِمَاعِ لِتَبَاعُدِهِ عَنِ الطَّهَارَةِ وَعَنْ حُضُورِ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ، وَمِنْهُ أَيْضًا الْجَنْبَانِ لِبُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ. وَرَوَى الْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ: وَالْجارِ الْجُنُبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْجَنْبِ النَّاحِيَةَ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: وَالْجَارِ ذِي الْجُنُبِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ وَصْفًا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ كَرَمٌ وَجُودٌ.
النَّوْعُ التَّاسِعُ: قَوْلُهُ: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَهُوَ الَّذِي صَحِبَكَ بِأَنْ حَصَلَ بِجَنْبِكَ إِمَّا رَفِيقًا فِي/ سَفَرٍ، وَإِمَّا جَارًا مُلَاصِقًا، وَإِمَّا شَرِيكًا فِي تَعَلُّمٍ أَوْ حِرْفَةٍ، وَإِمَّا قَاعِدًا إِلَى جَنْبِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ أَدْنَى صُحْبَةٍ الْتَأَمَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْعَى ذَلِكَ الْحَقَّ وَلَا تَنْسَاهُ وَتَجْعَلَهُ ذَرِيعَةً إِلَى الْإِحْسَانِ. قيل:
الصاحب بالجنب: الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَعَكَ وَتَضْجَعُ إِلَى جَنْبِكَ.
النَّوْعُ الْعَاشِرُ: قَوْلُهُ: وَابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الَّذِي انْقَطَعَ عَنْ بَلَدِهِ، وَقِيلَ: الضَّيْفُ.
النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ: قَوْلُهُ: وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَمَالِيكِ طَاعَةٌ عَظِيمَةٌ،
رَوَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم قال: «من ابْتَاعَ شَيْئًا مِنَ الْخَدَمِ فَلَمْ تُوَافِقْ شِيمَتُهُ شِيمَتَهُ فَلْيَبِعْ وَلْيَشْتَرِ حَتَّى تُوَافِقَ شِيمَتُهُ شِيمَتَهُ فَإِنَّ لِلنَّاسِ شِيَمًا وَلَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّه»
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»
وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ يَضْرِبُ عَبْدَهُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ أَعُوذُ باللَّه وَيَسْتَمِعُهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالسَّيِّدُ كَانَ يَزِيدُهُ ضَرْبًا، فَطَلَعَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَعُوذُ بِرَسُولِ اللَّه فَتَرَكَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّه كَانَ أَحَقَّ أَنْ يُجَارَ عَائِذُهُ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه فَإِنَّهُ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّه، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تَقُلْهَا لَدَافَعَ وَجْهُكَ سَفْعَ النَّارِ».
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، وَثَانِيهَا: أَنْ لَا يُؤْذِيهِمْ بِالْكَلَامِ الْخَشِنِ بَلْ يُعَاشِرُهُمْ مُعَاشَرَةً حَسَنَةً، وَثَالِثُهَا: أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ. وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسِيئُونَ إِلَى الْمَمْلُوكِ فَيُكَلِّفُونَ الْإِمَاءَ الْبِغَاءَ، وَهُوَ الْكَسْبُ بِفُرُوجِهِنَّ وَبُضُوعِهِنَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ

صفحة رقم 77
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةٌ لدنيا وَلَا مَقْلِيَةً إِنْ تَقَلَّتِ