آيات من القرآن الكريم

۞ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا
ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ

قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ٣٥]
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)
قسمت هذه الآية النساء تقسيما عقليا، لأنها إما طائعة، وإما ناشزة، والنشز إما من يرجع إلى الطواعية، وإما من يحتاج إلى الحكمين، واختلف المتأولون أيضا في الخوف هاهنا حسب ما تقدم، ولا يبعث الحكمان إلا مع شدة الخوف، و «الشقاق» : مصدر شاق يشاق، وأجري «البين» مجرى الأسماء وأزيل عنه الظرفية، إذ هو بمعنى حالهما وعشرتهما وصحبتهما، وهذا من الإيجاز الذي يدل فيه الظاهر على المقدر، واختلف من المأمور ب «البعثة»، فقيل: الحاكم، فإذا أعضل على الحاكم أمر الزوجين، وتعاضدت عنده الحجج، واقترنت الشبه، واغتم وجه الإنفاذ على أحدهما، بعث حكمين من الأهل ليباشرا الأمر، وخص الأهل لأنهم مظنة العلم بباطن الأمر، ومظنة الإشفاق بسبب القرابة، وقيل: المخاطب الزوجان وإليهما تقديم الحكمين، وهذا في مذهب مالك، والأول لربيعة وغيره، واختلف الناس في المقدار الذي ينظر فيه الحكمان، فقال الطبري: قالت فرقة: لا ينظر الحكمان إلا فيما وكلهما به الزوجان وصرحا بتقديمهما عليه، ترجم بهذا ثم أدخل عن علي غيره، وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره: ينظر الحكمان فى الإصلاح، وفي الأخذ والإعطاء، إلا في الفرقة فإنها ليست إليهما، وقالت فرقة: ينظر الحكمان في كل شيء، ويحملان على الظالم، ويمضيان ما رأياه من بقاء أو فراق، وهذا هو مذهب مالك والجمهور من العلماء، وهو قول علي بن أبي طالب في المدونة وغيرها، وتأول الزجّاج عليه غير ذلك، وأنه وكل الحكمين على الفرقة، وأنها للإمام، وذلك وهم من أبي إسحاق، واختلف المتأولون في من المراد بقوله:
إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً فقال مجاهد وغيره: المراد الحكمان، أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما، وقالت فرقة: المراد الزوجان، والأول أظهر، وكذلك الضمير في بَيْنِهِما، يحتمل الأمرين، والأظهر أنه للزوجين، والاتصاف ب «عليم خبير» يشبه ما ذكر من إرادة الإصلاح.
قوله تعالى:
[سورة النساء (٤) : آية ٣٦]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
«الواو» لعطف جملة الكلام على جملة غيرها، والعبادة: التذلل بالطاعة، ومنه طريق معبد، وبعير معبد، إذا كانا معلمين، وإِحْساناً نصب على المصدر، والعامل فعل مضمر تقديره: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، وما ذكر الطبري أنه نصب بالإغراء خطأ، والقيام بحقوق الوالدين اللازمة لهما من التوقير والصون

صفحة رقم 49

والإنفاق إذا احتاجا واجب، وسائر ذلك من وجوه البر والإلطاف وحسن القول، والتصنع لهما مندوب إليه مؤكد فيه، وهو البر الذي تفضل فيه الأم على الأب، حسب قوله عليه السلام للذي قال له من أبر؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أباك، ثم الأقرب فالأقرب، وفي رواية: ثم أدناك أدناك، وقرأ ابن أبي عبلة «إحسان» بالرفع، و «ذو القربى» : هو القريب النسب من قبل الأب والأم، وهذا من الأمر بصلة الرحم وحفظها، وَالْيَتامى: جمع يتيم، وهو فاقد الأب قبل البلوغ، وإن ورد في كلام العرب يتم من قبل الأم فهو مجاز واستعارة، وَالْمَساكِينِ: المقترون من المسلمين الذين تحل لهم الزكاة، وجاهروا بالسؤال، واختلف في معنى الْجارِ ذِي الْقُرْبى وفي معنى الْجُنُبِ، فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغيرهم: الجار ذو القربى هو الجار القريب النسب، وَالْجارِ الْجُنُبِ هو الجار الأجنبي الذي لا قرابة بينك وبينه، وقال نوف الشامي: الجار ذو القربى هو الجار المسلم، وَالْجارِ الْجُنُبِ هو الجار اليهودي أو النصراني، فهي عنده قرابة الإسلام وأجنبية الكفر، وقالت فرقة: الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك، والجار الجنب هو البعيد المسكن منك، وكأن هذا القول منتزع من الحديث، قالت عائشة، يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك بابا، واختلف الناس في حد الجيرة، فقال الأوزاعي: أربعون دارا من كل ناحية جيرة، وقالت فرقة: من سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد، وبقدر ذلك في الدور وقالت فرقة: من ساكن رجلا في محلة أو مدينة فهو جاره، والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض، أدناها الزوج كما قال الأعشى: [الطويل] أيا جارتي بيني وبعد ذلك الجيرة الخلط، ومنه قول الشاعر: [البسيط]

سائل مجاور جرم هل جنيت لها حربا تفرّق بين الجيرة الخلط
وحكى الطبري عن ميمون بن مهران: أن الجار ذا القربى أريد به جار القريب، وهذا خطأ في اللسان، لأنه جمع على تأويله بين الألف واللام والإضافة، وكأن وجه الكلام وجار ذي القربى، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة «والجار ذا القربى» بنصب الجار، وحكى مكي عن ابن وهب أنه قال عن بعض الصحابة في الْجارِ الْجُنُبِ: إنها زوجة الرجل وروى المفضل عن عاصم أنه قرأ «والجار الجنب» بفتح الجيم وسكون النون، والْجُنُبِ في هذه الآية معناه. البعيد، والجنابة البعد، ومنه قول الشاعر وهو الأعشى: [الطويل]
أتيت حريثا زائرا عن جنابة فكان حريث عن عطائي جامدا
ومنه قول الآخر، وهو علقمة بن عبدة: [الطويل]
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة فإني امرؤ وسط القباب غريب
وهو من الاجتناب، وهو أن يترك الشيء جانبا، وسئل أعرابي عن الْجارِ الْجُنُبِ، فقال: هو الذي

صفحة رقم 50
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية