
بِكِتَابِ اللَّهِ لِي وعَليّ. وَقَالَ الزَّوْجُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، وَاللَّهِ لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَرْضَى بِكِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَكَ وَعَلَيْكَ.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، بِهِ (١).
وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إِلَيْهِمَا الْجَمْعُ وَالتَّفْرِقَةُ، حَتَّى قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إِنْ شَاءَ الْحَكَمَانِ أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ أَوْ بِطَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَعَلَا. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: الْحَكَمَانِ يُحَكَّمَانِ فِي الْجَمْعِ وَلَا يُحَكَّمَانِ فِي التَّفْرِيقِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، وَمَأْخَذُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾ وَلَمْ يُذْكَرِ التَّفْرِيقَ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَا وَكِيلَيْنِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ حُكْمُهُمَا (٢) فِي الْجَمْعِ وَالتَّفْرِقَةِ بِلَا خِلَافٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الْحُكْمَيْنِ: هَلْ هُمَا مَنْصُوبَانِ مِنْ عِنْدِ الْحَاكِمِ، فَيَحْكُمَانِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجَانِ، أَوْ هُمَا وَكِيلَانِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ فَسَمَّاهُمَا حَكَمَيْنِ، وَمِنْ شَأْنِ الْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَهَذَا (٣) ظَاهِرُ الْآيَةِ، والجديدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
الثَّانِي مِنْهُمَا، بِقَوْلِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِلزَّوْجِ -حِينَ قَالَ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا-قَالَ: كَذَبْتَ، حَتَّى تُقِرَّ بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ، قَالُوا: فَلَوْ كَانَا حَاكِمَيْنِ لَمَا افْتَقَرَ إِلَى إِقْرَارِ الزَّوْجِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ -إِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا-فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْآخَرِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا نَافِذٌ فِي الْجَمْعِ وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُمَا الزَّوْجَانِ، وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُنَفَّذُ قَوْلُهُمَا فِي التَّفْرِقَةِ؟ ثُمَّ حُكِيَ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُنَفَّذُ قَوْلُهُمَا فِيهَا (٤) أَيْضًا (٥).
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا (٣٦) ﴾
يَأْمُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ الْآنَاتِ وَالْحَالَاتِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: "أتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ (٦) ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَنْ يَعْبدُوهُ ولا
(٢) في أ: "حكماها".
(٣) في أ "هو".
(٤) في ر: "فيه"، وفي أ: "قولهما فيها منه من غير توكيل".
(٥) الاستذكار لابن عبد البر (١٨/١١١).
(٦) في أ: "عبادة".

يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثُمَّ قَالَ: "أتَدْري مَا حَقُّ العبادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَلَّا يُعَذِّبَهُم" (١) ثُمَّ أَوْصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، جَعَلَهُمَا سَبَبًا لِخُرُوجِكَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَكَثِيرًا مَا يقرنُ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، (٢) بَيْنَ عِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لُقْمَانَ: ١٤] وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣].
ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ الْإِحْسَانَ (٣) إِلَى الْقَرَابَاتِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَةٌ وصِلَةٌ" (٤).
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْيَتَامَى﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ وَهُمُ الْمَحَاوِيجُ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ وَتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهُمْ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قُرَابَةٌ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمةَ، ومُجَاهد، وَمَيْمُونِ بنِ مهْرانَ، وَالضَّحَّاكِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حيَّان، وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ نَوْف البِكَالِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي الْمُسْلِمَ ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ يَعْنِي الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ رَوَاهُ ابنُ جَريرٍ، وابنُ أَبِي حَاتم.
وَقَالَ جَابِرٌ الْجُعْفِيّ، عن الشعبي، عن علي وابنِ مَسْعُودٍ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي الْمَرْأَةَ. وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ يَعْنِي الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ.
وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْوَصَايَا بِالْجَارِ، فَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا زَالَ جِبرِيل يُوصِينِي بالْجَارِ حَتِّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِثُه".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، بِهِ (٥).
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ داودَ بنِ شَابُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالْجَارِ حتى ظننْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ" (٦).
(٢) في أ: "تعالى".
(٣) في ر: "والإحسان".
(٤) رواه أحمد في مسنده (٤/١٧) من حديث سلمان بن عامر، رضي الله عنه.
(٥) المسند (٢/٨٥) وصحيح البخاري برقم (٦٠١٥) وصحيح مسلم برقم (٢٦٢٥).
(٦) المسند (٢/١٦٠).

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ بَشِيرِ أَبِي (١) إسْمَاعيلَ -زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَدَاوُدَ بْنِ شَابُورٍ -كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، بِهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٢) وَقَدْ رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ (٣) عائشةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيد، أَخْبَرَنَا حَيْوةُ، أَخْبَرَنَا شَرْحَبِيلُ بنُ شُرَيكٍ أَنَّهُ (٤) سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "خَيْرُ الأصْحَابِ عِندَ اللهِ خَيْرُهُم لِصَاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ -بِهِ، وَقَالَ: [حَدِيثٌ] حَسَنٌ غَرِيبٌ (٥).
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٦).
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوان، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا ظَبْية الكَلاعِيّ، سَمِعْتُ المقدادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: ["مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ " قَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ ورسُولُه، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٧) لأنْ يَزني الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَة، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَن يزنيَ بامرَأَةِ جَارِهِ". قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَة؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِن عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يسرِقَ مِنْ جَارِهِ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ (٨) وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّ الذَّنْب أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهُوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَن يُطْعَم مَعَكَ". قُلتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَاني حَليلةَ جَارِكَ" (٩).
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أبِي الْعَالية، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِي أريدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذَا بِهِ قَائِمٌ وَرَجُلٌ مَعَهُ مُقْبِل (١٠) عَليه، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجة -قَالَ الأنْصَارِيُّ: لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جَعَلْتُ أَرْثِي لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلمَّا انْصَرفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَامَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَك مِنْ طُولِ الْقِيَامِ. قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيتَه؟ " قُلتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَتَدْرِي مَن هُوَ؟ " قُلْتُ: لَا. قَال: "ذَاكَ جِبْرِيِلُ،
(٢) سنن أبي داود برقم (٥١٥٢) وسنن الترمذي برقم (١٩٤٣).
(٣) في أ: "و"
(٤) في ر: "أو".
(٥) المسند (٢/١٦٧) وسنن الترمذي برقم (١٩٤٤).
(٦) المسند (١/٥٤) وقال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٧) :"رجاله رجال الصحيح إلا أن عباية بن رفاعة لم يسمع من عمر".
(٧) زيادة من أ، والمسند.
(٨) المسند (٦/٨).
(٩) صحيح البخاري برقم (٤٧٦١) وصحيح مسلم برقم (٦٨).
(١٠) في أ: "يقبل".

مَا زَالَ يُوصِينِي بِالجِارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّه سَيُورثُه. ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّك لَو سَلَّمْتَ عَلَيْهِ، رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ" (١).
الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مَسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ -يَعْنِي الْمدَنيّ-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَوَالِي وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّيانِ حَيْثُ يُصَلَّى عَلَى الْجَنائِز، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ الرَّجُلُ: يَا رسولَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُ مَعَكَ؟ قَالَ: "وَقَدْ رأيْتَه؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ رأَيْتَ خَيْرًا كَثِيرًا، هَذَا جِبْرِيلُ مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى رُئِيت أَنَّه سَيُورثُه".
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٢) وَهُوَ شَاهِدٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ (٣) بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الرَّبِيعِ الْحَارِثِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي فُدَيْك، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحمن بنُ الْفَضل (٤) عَنْ عَطَاء الخَراساني، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الجِيرانُ ثَلاثَةٌ: جَارٌ لهُ حَقٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَدْنَى الجيرانِ حَقًّا، وَجَارٌ لَهُ حقَّان، وجَارٌ لَهُ ثلاثةُ حُقُوقٍ، وَهُوَ أفضلُ الجيرانِ حَقًّا، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ فَجَارٌ مُشْرِكٌ لَا رَحمَ لَهُ، لَهُ حَقُّ الجَوار. وأمَّا الَّذِي لَهُ حقانِ فَجَارٌ مُسْلِمٌ، لَهُ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الْجِوارِ، وأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلاثةُ حُقُوقٍ، فَجَارٌ مُسْلِمٌ ذُو رَحِمٍ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ وحَقُّ الرحِمِ".
قَالَ البَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفُضَيْل (٥) إِلَّا ابْنُ أَبِي فُدَيْك (٦).
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْد اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: "إنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا".
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ (٧).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ قَالَ الثوريُّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِي، عَنِ الشَّعبي، عَنْ عَلِيٍّ وابنِ مسعودٍ قَالَا هِيَ الْمَرْأَةُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ورُويَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ-نحوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهدٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتَادةُ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرَّفِيقُ الصَّالِحُ. وَقَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: هُوَ جَلِيسُكَ فِي الْحَضَرِ، وَرَفِيقُكَ فِي السَّفَرِ.
وَأَمَّا ﴿ابْنِ السَّبِيلِ﴾ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ هُوَ: الضيف.
(٢) ورواه البزار في مسنده (١٨٩٧) "كشف الأستار" من طريق الفضل بن مبشر أبو بكر المدنى به.
قال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٥) :"فيه الفضل بن مبشر وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات".
(٣) في أ: "عبد الله".
(٤) في د، ر: "الفضيل".
(٥) في أ: "الفضل".
(٦) مسند البزار برقم (١٨٩٦) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٤) :"رواه البزار عن شيخه عبد الله بن محمد الحارثي وهو وضاع".
(٧) المسند (٦/١٧٥) وصحيح البخاري برقم (٦٠٢٠).

وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الباقرُ، والحسنُ، والضحاكُ، ومقاتلُ: هُوَ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْكَ مُجْتَازًا فِي السَّفَرِ.
وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْقَائِلِ بِالضَّيْفِ: الْمَارَّ فِي الطَّرِيقِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ، وَبِاللَّهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ وَصِيَّةٌ بِالْأَرِقَّاءِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ ضَعِيفُ الْحِيلَةِ أَسِيرٌ فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يُوصِي أُمَّتَه فِي مرضِ الْمَوْتِ يَقُولُ: "الصلاةَ الصلاةَ وَمَا ملكتْ أيمانُكُم". فَجَعَلَ يُرَدِّدُها حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ (١).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا بَقِيّة، حَدَّثَنَا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَان، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَك فَهُوَ لَكَ صدقةٌ، وَمَا أطعمتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، ومَا أطعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَك صَدَقَهٌ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّة، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (٢) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِقَهْرَمَانَ لَهُ: هَلْ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهم؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٣).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وكِسْوتُه، وَلَا يكلَّف مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطيق". رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (٤).
وَعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أكْلَةً أَوْ أكْلَتين، فَإِنَّهُ وَليَ حَرّه وَعِلَاجَهُ".
أَخْرَجَاهُ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ (٥) فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوها قَلِيلًا فَلْيضع فِي يَدِهِ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ".
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هُمْ إِخْوَانُكُمْ خَوَلكم، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ". أَخْرَجَاهُ (٦).
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا﴾ أَيْ: مُخْتَالًا فِي نَفْسِهِ، مُعْجَبًا مُتَكَبِّرًا، فَخُورًا عَلَى النَّاسِ، يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ، وَعِنْدَ النَّاسِ بغيض.
(٢) المسند (٤/١٣١) وسنن النسائي الكبرى برقم (٩١٨٥).
(٣) صحيح مسلم برقم (٩٩٦).
(٤) صحيح مسلم برقم (١٦٦٢).
(٥) صحيح البخاري برقم (٥٤٦٠) وصحيح مسلم برقم (١٦٦٣).
(٦) صحيح البخاري برقم (٣١) وصحيح مسلم برقم (١٦٦١).