آيات من القرآن الكريم

۞ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

على النساء، والاعتداد للرجال أن العدة التي على النساء حق للأزواج ليستْبرِءوا أرحامهن لئلا يلحق أولادهم بغيرهم، أو يلحق بهم غير أولادهم.
قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ إلى قوله: ﴿على كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً﴾.
أي: أحل لك يا محمد أزواجك اللاتي أعطيتهن صدقاتهن، وأحل لك ما ملكت يمينك من السبي، وأحل لك بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك من هاجر منهن معك دون من لم يهاجر. هذا معنى قول الضحاك.
قال ابن زيد: كل امرأة أتاها مهرها فقد أحلها الله له.
وروى أبو صالح عن أم هانئ أنها قالت: " خَطَبَنِي رَسُولُ الله ﷺ فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي، ثمَّ أَنْزَلَ الله تعَالى: ﴿إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ إِلى قَوله: ﴿هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾، وَلم أَكُنْ هَاجَرْتُ وَإِنَّمَا كُنْتُ منَ الطُّلَقَاءِ، فَكُنْتُ لا أَحِلُّ لَهُ ".

صفحة رقم 5852

وفي قراءة ابن مسعود: " واللاتي هاجرنَ معك " بالواو فهذا يدل على أنه قد أحل له من هاجر ومن لم يهاجر.
وقوله: ﴿وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾ أي: وأحللنا له امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها بغير صداق. ﴿إِن وَهَبَتْ﴾ شرط، وجوابه محذوف، والتقدير: إن وهبت نفسها حلت له، أي: إن تهب نفسها تحل.
ويجوز أن يكون الجواب هو المحذوف الناصب لامرأة.
وقرأ الحسن: " أنْ وَهَبَتْ " بفتح أن. أي لأن وهبت، أي: من أجل أن وهبت.
وقيل: هي بدل من " امرأة " على بدل الاشتمال.

صفحة رقم 5853

وفي قراءة ابن مسعود: " وامْرأَةً مُؤمِنَةً وَهَبَتْ " بغيرِ إِنْ. والمعنى على ما مضى نقول: كُلْ طعاماً إِنْ ملكته، وكل طعاماً ملكته، اي: ملكته في ما مضى.
ثم قال تعالى: ﴿إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا﴾ أي: ينكحها فحلال له نكاحها إذا وهبت له نفسها بغير مهر.
﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ أي: لا يحل ذلك لأحد غيرك.
قال قتادة: ليس لأمرأة أن تهب نفسها لرجل بغير أمر ولي ولا مهر إلا للنبي ﷺ كانت له خاصلة دون سائر أمته. وروي أنها نزلت في ميمونة بن الحارث وهبت نفسها للنبي عليه السلام، قاله الزهري وعكرمة ومحمد بن كعب وقتادة. وقيل: لم يكن عند النبي أمرأة وهب له نفسها بغير صداق، وإنما المعنى: إِنْ وقع ذلك فهو حلال لك يا محمد قاله مجاهد وابن عباس. وقال علي بن الحسين وعروة والشعبي: هي أم شريك وقيل: هي زينب بنت

صفحة رقم 5854

خزيمة ولا تكون إلا مكسورة على قول ابن عباس ومجاهد لأنها بمعنى: إن وقع ذلك فيما يستقبل. ويجب أن تكون مفتوحة على قول غيرهما لأنه شيء قد وقع وكان على قولهم.
وقوله: ﴿خَالِصَةً لَّكَ﴾ يرجع على المرأة التي وهبت نفسها دون ما قبلها من قوله: ﴿إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ﴾ / وما بعده. وإنما قال تعالى للنبي ولم يقل لك، لئلا يتوهم أنه يجوز ذلك للغير كما جاز ذلك في: ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ﴾.
أي: بنات العم والعمة والخال والخالة يحللن للناس.
وقيل: إنما جاز ذلك لأن العرب تخبر عن الحاضر بأخبار الغائب ثم ترجع فتخاطب.
وروي أن النبي ﷺ كان قبل نزول الآية يتزوج أن النساء شاء فقصره الله على هؤلاء، فلم يعداهن وقصر سائر أمته على مثنى وثلاث ورباع.
ثم قال: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أَزْوَاجِهِمْ﴾ يعني المؤمنين لا يحل لأحد نكاح إلا بولي وعقد وصداق وشهود عدول، وأن لا يزوج الرجل أكثر من أربع وما ملكت اليمين، قاله قتادة وغيره (فالمعنى) قد علمنا ما في ذلك من الصلاح.

صفحة رقم 5855

وقال أبي بن كعب في معناها: هو مثنى وثلاث ورباع.
ثم قال تعالى: ﴿لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ أي: أحللنا لك ما تقدم ذكره لئلا يكون عليك إثم وضيق في نكاح من نكحت من هؤلاء الأصناف المسميات لك في هذه الآية.
ثم قال: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي: غفوراً لك ولأهل الإيمان بك، رحيماً بك وبهم أن يعاقبهم على ذنوب تابوا منها.
ثم قال تعالى: ﴿تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ﴾ أي: تؤخر يا محمد من تشاء من أزواجك وتضمّ من تشاء.
يقال: أرْجَأْتُ الأمْرَ: أَخَّرْتَهُ. ومن ترك الهمزة في " ترجي " فيحتمل أن يكون أبدل من الهمزة ثم أسكنها استثقالاً للضمة.
وقيل: هي لغة، يقال: أرْجَيْتُ بمعنى أرْجَأْتُ. كما يقال قريْتُ. بمعنى قَرَأتُ.
وقال المبرد: هو من رجا يرجو، يقال: رجاء وأرَجَيْتَهُ إذا جَعَلْتَه يَرْجُو.
قال مجاهد في معنى الآية: تعزل يا محمد بغير طلاق من أزواجك من تشاء

صفحة رقم 5856

وتؤدي إليك من تشاء، أي تردها إليك.
قال قتادة: جعله الله في حل من ذلك أن يدع من يشاء منهم بغير قسم وكان صلى الله عليه يقسم.
وقال أبو رزين: لما أشفق النبي ﷺ أن يطلقهن، قلن يا رسول الله: اجعل لنا في مالك ونفسك ما شئت فكان ممن أرجأ منهم سودة بنت زمعة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة، وكان ممن أوى عائشة وأم سلمة وحفصة زينب. فالمعنى على هذا القول أنه صلى الله عليه أخر هؤلاء فلم يقسم لهن ولم يطلقهن، وضم هؤلاء فقسم لهن، وهو قول الضحاك.
وعن ابن عباس أن المعنى من شئت خليت سبيله منهم ومن شئت أمسكت منهن.
وقال الحسن: المعنى أن النبي ﷺ كان إذا خطب امرأة لم يكن لرجل أن يخطبها

صفحة رقم 5857

حتى يتركها أو يتزوجها.
فالمعنى: اترك نكاح من شئت من أمتك، وانكح من شئت.
وقال ابن زيد في ذلك كلاماً معناه: إن الله جل ذكره أمر نبيه أن يخير نساءه بين الدنيا والآخرة في قوله:
﴿قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحياة الدنيا﴾ إلى قوله: ﴿أَجْراً عَظِيماً﴾ [الأحزاب: ٢٨ - ٢٩] فلما اخترن الآخرة واخترنه أبيح له أن يعزل من شاء منهم فلا يقسم لها، ويضم من شاء فيقسم لها، ومن ابتغى ممن عزل عن نفسه، فله أن يرجع ويقسم لها، فخيرهن أيضاً في الرضى بهذا أو يفارقهن فرضين بذلك إلاَّ امرأة بدوية ذهبت.
فقال الله جل ذكره: ﴿ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾ أي: أن يسكن ولا يغرن ويرضين كلهن بما فعلت من ضم أو عزل، إذ ذلك كله من حكم الله لك فيهن، وذلك إشارة إلى ما تقدم مما أباحه الله لرسوله عليه السلام فيهن.
قال قتادة: وَمَنِ ابْتَغَيْتَ " أي: لك أن تأتي من شئت منهم لا إثم عليك في ذلك، وهو قول الحسن.
وقال ابن عباس: معناه من مات من نسائك اللواي عندك، أو خليت سبيله فلا إثم عليك في أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك، ولا يحل أن تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك شيئاً.

صفحة رقم 5858

قال الزجاج: معناه إن أردت أن تؤوي إليك من عزلت فلا جناح عليك. وهو القول الأول بعينه، وهو أحسنها إن شاء الله تعالى.
ثم قال تعالى: ﴿والله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ﴾ أي: من ميلكم إلى بعض من عندكم من النساء دون بعض بالهوى والمحبة فلذلك وضع عن رسول الله ﷺ الحرج في ذلك لأن القلب لا يملك، والهوى سلطان غائب عن الإنسان.
ثم قال: ﴿وَكَانَ/ الله عَلِيماً﴾ أي: ذا علم بأعمالكم وغيرها. ﴿حَلِيماً﴾ أي: ذا حلم عن عباده أن يعاجل أهل الذنوب بالعقوبة.
ثم قال تعالى: ﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ﴾ أي: من بعد من عندك من النساء.
قال قتادة: لما اخترن الله ورسوله قصره عليهن وهن تسع.
وقيل: المعنى: لا يحل لك النساء بعد اللواتي أحللنا، يعني في قوله: ﴿إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ إلى قوله: ﴿مِن دُونِ المؤمنين﴾ قاله أُبي بن كعب والضحاك.
وقال مجاهد: المعنى: من بعد المسلمين، فحرم عليه نكاح اليهوديات والنصرانيات. وهو قول ابن جبير وعكرمة.

صفحة رقم 5859

وروي عن عائشة أنها قالت: " ما مَاتَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى أحَلَ اللهُ لَهُ النِّسَاءَ "، فتكون الآية منسوخة بالسنة.
وقد روي ذلك عن أم سلمة، وهو قول علي وابن عباس والضحاك. وقيل: الآية محكمة، ولا يحل له النساء بعد نزول هذه الآية، وهو قول أُبي بن كعب، اختيار الطبري.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ أي: ولا يحل لك أن تستبدل من عندك غيرهن من المسلمات، قاله الضحاك.
وقال مجاهد: لا تستبدل بمن عندك من المسلمات كتابية.
وقال ابن زيد: لا تبدل زوجتك بزوجة رجل آخر، وهو فعل كان في الجاهلية وقوله: ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ أي: فذلك حلال.
وقال ابن زيد: إلا ما ملكت يمينك، فلك أن تبادل غيرهن ولا تفعل ذلك في

صفحة رقم 5860
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية