آيات من القرآن الكريم

۞ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ۖ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ

فأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد، وقرأ الحسن البصري وأبيّ بن كعب والثقفي والشعبي، «أن وهبت» بفتح الألف فهي إشارة إلى ما وقع من الهبات قبل نزول الآيات.
قال الفقيه الإمام القاضي: وكسر الألف يجري مع تأويل ابن زيد الذي قدمناه، وفتح الألف يجري مع التأويل الآخر، ومن قرأ بفتح الألف قال الإشارة إلى من وهب نفسه من النساء للنبي ﷺ على الجملة، قال ابن عباس فيما حكى الطبري هي ميمونة بنت الحارث، وقال علي بن الحسين هي أم شريك، وقال عروة والشعبي هي زينب بنت خزيمة أم المساكين، وقال أيضا عروة بن الزبير خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمي ممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وامرأة مؤمنة وهبت» دون «إن»، وقوله تعالى: خالِصَةً لَكَ أي هبة النساء أنفسهن خالصة ومزية لا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل، وأجمع الناس على أن ذلك لا يجوز، وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح إلا ما روي عن أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وأبي يوسف أنهم قالوا: إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر فذلك جائز.
قال الفقيه الإمام القاضي: فليس في قولهم إلا تجويز العبارة ولفظة الهبة، وإلا فالأفعال التي اشترطها هي أفعال النكاح بعينه.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر من لفظ أبيّ بن كعب أن معنى قوله خالِصَةً لَكَ يراد به جميع هذه الإباحة لأن المؤمنين قصروا على مثنى وثلاث ورباع، وقوله تعالى: قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ يريد الولي والشاهدين والمهر والاقتصار على أربع قاله قتادة ومجاهد، وقال أبيّ بن كعب هو مثنى وثلاث ورباع، وقوله تعالى لِكَيْلا أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ويظن بك أنك قد أثمت عند ربك في شيء، ثم أنس تعالى الجميع من المؤمنين بغفرانه ورحمته.
قوله عز وجل:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥١ الى ٥٢]
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١) لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
تُرْجِي معناه تؤخر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «ترجيء» بالهمز، وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي «ترجي» بغير همز وهما لغتان بمعنى، وَتُؤْوِي معناه تضم وتقرب وقال المبرد هو معدى رجى يرجو تقول رجى الرجل وأرجيته جعلته ذا رجاء، ومعنى هذه الآية أن الله فسح لنبيه فيما يفعله في جهة النساء، والضمير في مِنْهُنَّ عائد على من تقدم ذكره من الأصناف حسب الخلاف المذكور في ذلك، وهذا الإرجاء والإيواء يحتمل معاني، منها أن معناه في القسم أن تقرب من شئت في

صفحة رقم 392

القسمة لها من نفسك، وتؤخر عنك من شئت، وتكثر لمن شئت، وتقل لمن شئت، لا حرج عليك في ذلك، فإذا علمن هن أن هذا هو حكم الله تعالى لك وقضاؤه زالت الأنفة والتغاير عنهن ورضين وقرت أعينهن وهذا تأويل مجاهد وقتادة والضحاك.
قال الفقيه الإمام القاضي: لأن سبب هذه الآيات إنما كان تغايرا وقع بين زوجات النبي ﷺ عليه فشقي بذلك، ففسح الله له وأنبهن بهذه الآيات، وقال أبو رزين وابن عباس المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته وإمساك من شاء، قال أبو زيد: وكان رسول الله ﷺ قد هم بطلاق بعض نسائه فقلن له أقسم لنا ما شئت فكان ممن أرجى سودة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة وآوى إليه عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب وقال الحسن بن أبي الحسن المعنى في تزويج من شاء من النساء وترك من شاء، وقالت فرقة المعنى في ضم من شاء من الواهبات وتأخير من شاء.
قال القاضي أبو محمد: وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة على رسول الله ﷺ والإباحة له، قالت عائشة: لما قرأ عليّ رسول الله ﷺ هذه الآية قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ له إلى أن قوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ الآية ناسخ لقوله لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الآية، وقال ليس في كتاب الله تعالى ناسخ تقدم المنسوخ إلا هذا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وكلامه يضعف من جهات، وقوله عز وجل وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ يحتمل معاني: أحدها أن تكون مَنْ للتبعيض، أي من إرادته وطلبته نفسه ممن قد كنت عزلته فلا جناح عليك في رده إلى نفسك وإيوائه إليه بعد عزلته، ووجه ثان وهو أن يكون مقويا ومؤكدا لقوله تُرْجِي مَنْ تَشاءُ وَتُؤْوِي مَنْ تَشاءُ فيقول بعد وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فذلك سواء فَلا جُناحَ عَلَيْكَ في جمعه، وهذا كما تقول من لقيك ممن لم يلقك جميعهم لك شاكر وأنت تريد من لقيك ومن لم يلقك، وهذا المعنى يصح أن يكون في معنى القسم، ويصح أن يكون في الطلاق والإمساك وفي الواهبات، وبكل واحد قالت فرقة. وقرأ جمهور الناس «ذلك أدنى أن تقر أعينهن» برفع «الأعين»، وقرأ ابن محيصن «أن تقر أعينهن» بضم التاء ونصب «الأعين»، وقوله بِما آتَيْتَهُنَّ أي من نفسك ومالك، وقرأ جمهور الناس «كلّهن» بالرفع على التأكيد للضمير في يَرْضَيْنَ ولم يجوز الطبري غير هذا، وقرأ جويرية بن عابد بالنصب على التأكيد في آتَيْتَهُنَّ.
قال الفقيه الإمام القاضي: والمعنى أنهن يسلمن لله ولحكمه وكن قبل لا يتسامحن بينهن للغيرة ولا يسلمن للنبي ﷺ أنفة، نحا إلى هذا المعنى ابن زيد وقتادة، وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ خبر عام، والإشارة به هنا إلى ما كان في قلب رسول الله ﷺ من محبة شخص دون شخص، وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون. وقوله حَلِيماً صفة تقتضي صفحا وتأنيسا في هذا المعنى، إذ هي خواطر وفكر لا يملكها الإنسان في الأغلب، واتفقت الروايات على أنه

صفحة رقم 393

عليه السلام عدل بينهن في القسمة حتى مات ولم يمتثل ما أبيح له ضبطا لنفسه وأخذا بالفضل، غير أن سودة وهبت نوبتها لعائشة تقمنا لمسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قيل كما قدمنا إنها خطرت عليه النساء إلا التسع اللواتي كنّ عنده، فكأن الآية ليست متصلة بما قبلها، قال ابن عباس وقتادة لما هجرهن رسول الله ﷺ شهرا، وآلى منهن ثم خرج وخيرهن فاخترن الله ورسوله، جازاهن الله بأن حظر عليه النساء غيرهن وقنعه بهن وحظر عليه تبديلهن، ونسخ بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء، وقال أبيّ بن كعب وعكرمة قوله لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ أي من بعد الأصناف التي سميت، ومن قال إن الإباحة كانت له مطلقة قال هنا لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ معناه لا يحل لك اليهوديات ولا النصرانيات.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا تأويل فيه بعد، وإن كان روي عن مجاهد، وكذلك روي أن تبدل اليهوديات والنصرانيات بالمسلمات، وهذا قول أبي رزين وسعيد بن جبير، وقال أبيّ بن كعب مِنْ بَعْدُ يعني لا يحل لك العمات والخالات ونحو ذلك، وأمر مع ذلك بأن لا يتبدل بأزواجه التسع منه من أن يطلق منهن ويتزوج غيرهن قاله الضحاك، وقيل بمن تزوج وحصل في عصمته أي لا يبدلها بأن يأخذ زوجة إنسان ويعطيه هو زوجته قال ابن زيد وهذا شيء كانت العرب تفعله.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول ضعيف أنكره الطبري وغيره في معنى الآية، وما فعلت العرب قط هذا، وما روي من حديث عيينة بن حصن أنه دخل على رسول الله ﷺ وعنده عائشة فقال من هذه الحميراء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة، فقال عيينة: يا رسول الله إن شئت نزلت لك عن سيدة العرب جمالا ونسبا فليس بتبديل ولا أراد ذلك وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية فقال هذا القول، وقرأ أبو عمرو بخلاف «لا تحل» بالتاء على معنى جماعة النساء، وقرأ الباقون «لا يحل» بالياء من تحت على معنى جميع النساء وهما حسنان لأن تأنيث لفظ النساء ليس بحقيقي، وقوله تعالى: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ، قال ابن عباس نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس أعجبت رسول الله ﷺ حين مات عنها جعفر بن أبي طالب وفي هذه اللفظة أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها، وقد أراد المغيرة بن شعبة زواج امرأة فقال له رسول الله ﷺ «انظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما» وقال عليه السلام لآخر: «انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا»، قال الحميدي يعني «صغرا»، وقال سهل بن أبي حثمة رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك على أجار من أجاجير المدينة فقلت له أتفعل هذا؟ فقال نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ألقى الله في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها»، وقوله تعالى: إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ما في موضع رفع بدل من النِّساءُ، ويجوز أن تكون في موضع نصب على الاستثناء، وفي النصب ضعف، ويجوز أن تكون ما مصدرية والتقدير إلا ملك يمينك وملك بمعنى مملوك، وهو في موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس الأول، و «الرقيب» فعيل بمعنى فاعل أي راقب.
قوله عز وجل:

صفحة رقم 394
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية