آيات من القرآن الكريم

ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَٰكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

ثم أكد وجوب الامتثال بأن الآمر لك هو مرّ بيك فى نعمه، الغامر لك بإحسانه، فهو الجدير أن يتّبع أمره، ويجتنب نهيه، فقال:
(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي واعمل بما ينزله عليك ربك من وحيه، وآي كتابه.
ثم علل ذلك بما يرغّبه فى اتباع الوحى، وبما ينأى به عن طاعة الكافرين والمنافقين، فقال:
(إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) أي إن الله خبير بما تعمل أنت وأصحابك، لا يخفى عليه شىء منه، ثم يجازيكم على ذلك بما وعدكم به من الجزاء.
ثم أمر رسوله بتفويض أموره إليه وحده، فقال:
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي وفوض أمورك إليه وحده، واعتمد عليه فى شئونك.
(وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا) أي وكفى به حافظا، يوكل إليه جميع الشئون، فلا تلتفت فى شىء من أمرك إلى غيره.
والخلاصة: حسبك الله، فإنه إن أراد لك نفعا لم يدفعه عنك أحد، وإن أراد ضرا لم يمنعه منك أحد.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤ الى ٥]
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)

صفحة رقم 125

تفسير المفردات
جعل: أي خلق، ويقال: ظاهر الرجل من زوجته إذا قال لها: أنت علىّ كظهر أمي، يريدون أنت محرمة علىّ كما تحرم الأم، وكانوا فى الجاهلية يجرون على المظاهر منها حكم الأم، والأدعياء: واحدهم دعىّ، وهو الذي تدّعى بنوته، وقد كانت تجرى عليه أحكام الابن فى الجاهلية وصدر الإسلام، السبيل: أي طريق الحق، أقسط: أي أعدل، ومواليكم: أي أولياؤكم فيه.
المعنى الجملي
بعد أن أمر سبحانه نبيه بتقواه، والخوف منه، وحذّره من طاعة الكفار والمنافقين، والخوف منهم- ضرب لنا الأمثال ليبين أنه لا يجتمع خوف من الله وخوف من سواه، فذكر أنه ليس للإنسان قلبان حتى يطيع بأحدهما ويعصى بالآخر، وإذا لم يكن للمرء إلا قلب واحد، فمتى اتجه لأحد الشيئين صدّ عن الآخر، فطاعة الله تصدّ عن طاعة سواه، وأنه لا تجتمع الزوجية والأمومة فى امرأة، والبنوة الحقيقية والتبني فى إنسان.
روى الشيخان والترمذي والنسائي فى جماعة آخرين عن ابن عمر رضى الله عنهما «أن زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن: (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت زيد ابن حارثة بن شراحيل.
وكان من خبره أنه سبى من قبيلته كلب وهو صغير، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فلما تزوجها رسول الله ﷺ وهبته له، ثم طلبه أبوه وعمه فخيّر بين أن يبقى مع رسول الله، وأن يذهب مع أبيه، فاختار البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وتبناه، وكانوا يقولون زيد بن محمد فلما تزوج رسول الله ﷺ زينب، وكانت زوجا لزيد وطلقها قال المنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه،

صفحة رقم 126

وهو بنهي عن ذلك، فنزلت الآية لنفى أن يكون للمتبنّى حكم الابن حقيقة فى جميع الأحكام التي تعطى للابن.
الإيضاح
(ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) كان أهل مكة يقولون: إن معمرا الفهرىّ له قلبان لقوة حفظه، وروى أنه كان يقول: إن لى قلبين أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد، وكانت العرب تزعم أن كل أريب له قلبان، فأكذب الله فى هذه الآية قوله وقولهم:
(وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) أي ولم يجعل الله لكم أيها الرجال نساءكم اللائي تقولون لهن: أنتنّ علينا كظهور أمهاتنا- أمهاتكم، بل جعل ذلك من قبلكم كذبا وألزمكم عقوبة.
وقد كان الرجل فى الجاهلية متى قال هذه المقالة لامرأته صارت حراما عليه حرمة مؤيدة، فجاء الإسلام ومنع هذا التأييد، وجعل الحرمة مؤقتة، حتى يؤدى كفّارة (غرامة) لانتهاكه حرمة الدين، إذ حرم ما أحل الله.
(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) أي ولم يجعل الله من ادعى أحدكم أنه ابنه، وهو ابن غيره- ابنا له بدعواه فحسب.
وفى هذا إبطال لما كان فى الجاهلية وصدر الإسلام من أنه: إذا تبنى الرجل ابن غيره أجريت عليه أحكام الابن النسبي، وقد تبنىّ رسول الله ﷺ قبل البعثة زيد بن حارثة، والخطّاب عامر بن ربيعة وأبو حذيفة سالما.
ثم أكد ما سبق بقوله:
(ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) أي هذا الذي تقدم من قول الرجل لامرأته: أنت علىّ كظهر أمي، ودعاء من ليس بابنه أنه ابنه إنما هو قولكم بأفواهكم، لا حقيقة له، فلا تصير الزوجة أمّا، ولا يثبت بهذا الدعاء دعوى النسب.

صفحة رقم 127

(وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) أي والله هو الصادق، الذي يقول الحق وبقوله يثبت نسب من أثبت نسبه، وبه تكون المرأة أمّا إذا حكم بذلك، وهو يبين لعباده سبيل الحق، ويهديهم إلى طريق الرشاد، فدعوا قولكم، وخذوا بقوله عز اسمه.
وخلاصة ما سلف:
(١) إنه لم ير فى حكمته أن يجعل للإنسان قلبين، لأنه إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر، فأحدهما يكون نافلة غير محتاج إليه، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك، وهذا يؤدى إلى التناقض فى أعمال الإنسان، فيكون مريدا للشىء كارها له، وظانا له موقنا به فى حال واحدة، وهذا لن يكون.
(٢) إنه لم ير أن تكون المرأة أما لرجل وزوجا له، لأن الأم مخدومة، مخفوض لها الجناح، والمرأة مستخدمة فى المصالح الزوجية على وجوه شتى.
(٣) لم يشأ فى حكمته أن يكون الرجل الواحد دعيّا لرجل وابنا له، لأن البنوة نسب أصيل عريق، والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير، ولا يجتمع فى الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل.
ولما ذكر أنه يقول الحق فصل هذا الحق بقوله:
(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) أي انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم- لآبائهم، فقولوا: زيد بن حارثة، ولا تقولوا زيد بن محمد، فذلك أعدل فى حكم الله وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم.
(فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) أي فإن أنتم أيها الناس لم تعرفوا آباء أدعيائكم من هم؟ حتى تنسبوهم إليهم، وتلحقوهم بهم فهم إخوانكم فى الدين إن كانوا قد دخلوا فى دينكم ومواليكم إن كانوا محرّرين أي قولوا: هو مولى فلان، ولهذا قيل لسالم بعد نزول الآية: مولى حذيفة، وكان قد تبناه من قبل.

صفحة رقم 128
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية