
فضُرب دونها حجاب".
ونبه بقوله: (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) إنك تسمع نذري، وتعلم
حالي ونيتي، فتقبل مني ما قلت.
قوله في وجل: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٧)
القبالة: الكفالة، فقوله: (تَقَبَّلَهَا) قيل: تكفَّل تربيتها،

وقيل: رضيها، ولفظ التقبّل يقتضيهما.
قال الحسن: قبوله إياها أنه صانها عن كل أذى وقبول مصدر قبل، نحو:
وضوء وطهور، ولما كان تقبّل وقبل يتقاربان جمع بين التقبّل
والقبول، تنبيها أنه جمع من الأمرين التقبُّل الذي يقتضي الرضا
والإِثابة، وقيل: القبول من قولهم: فلان عليه قبول.
إذا أحبّه من رآه.
وقوله: (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا) أي ربّاها تربية حسنة.
وتقدير الكلام: أنبتها فنبتت نباتاً، وروي أن أمّها لما وضعتها

لفّتها في خرقة وبعثت بها إلى مسجد بيت المقدس فقال:
زكريَّا: أنا أحق بها، لأن خالتها تحتي، وقالت الأحبار: لو
تركت لأحقّ الناس بها لتُرِكت لأمها التي وضعتها، فاختصموا
فيها فتقارعوا، فقرعهم زكريا.
واختلف الرزق، فقيل: إنه كان يوجد عندها طعام الشتاء في الصيف، وطعام الصيف في الشتاء، من غير أن كان يدخل إليها آدمي.
وقال الجبّائي: يجوز أن كان

رزقاً يأتيها به غير زكريا من حيث لا يعلمه، ولو كان الأمر
على ما ذكر لما أعاد الله ذكره تعجباً من أمرها.
وقوله: (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) يدل على أنه ليس كما ذكر.
وقال بعضهم: كان ذلك فيضاً من الله يأتيها من العلم والحكمة من غير تعليم آدمي، فسماه رزقاً، وهذا أعجب من إتيانها الطعام في غير أنه، لمن عرف
فضيلة العلم، واللفظ محتمل، ثم بين تعالى أن ذلك ليس