
امراة عمران فارجو عصمتها وأولادها من الشيطان وعدم مسه إياهم- وحصر عدم المس فى مريم وابنها الثابت بالحديث على هذا يكون حصرا إضافيا بالنسبة الى الأعم الأغلب-.
فَتَقَبَّلَها بمعنى قبلها يعنى مريم من حنة مكان الذكر او المعنى استقبلها اى أخذها فى أول أمرها حين ولدت كتعجل بمعنى استعجل رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ القبول هاهنا ليس بالمعنى المصدري والا يقال قبولا حسنا بل هو اسم لما يقبل به الشيء كالسعوة واللدود اى بوجه حسن يقبل به النذائر والقبول الحسن هو قبول المرادين اهل الاجتباء دون قبول المريدين اهل الهداية فان الله تعالى اصطفاها لنفسه وفضلها على نساء العالمين وطهرها من الذنوب ومن الحيض من غير سابقة عمل منها واجتهادها- وان كان القبول بالمعنى المصدري فتقديره بامر ذى قبول حسن وذلك الأمر هو الاختصاص وكون مبدا تعينها من مبادى نعينات اهل الاصطفاء وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مصدر من غير باب الفعل والمعنى أنبتها فنبتت نباتا حسنا فكانت تنبت فى اليوم كما ينبت المولود فى العام- اخرج ابن جرير عن عكرمة وقتادة والسدى ان حنة لما ولدت مريم لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد فوضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم يومئذ يلون بيت المقدس ما تلى الحجبة من الكعبة فقالت دونكم هى النذيرة فتنافس فيها الأحبار لما كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فقال لهم زكريا انا أحقكم بها عندى خالتها وهى أشياع بنت قاقودا أم يحيى عليه السلام فابوا الا القرعة فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين رجلا الى نهر جار قال السدى هو نهر الأردن فالقوا أقلامهم فى الماء على ان من ثبت قلمه فى الماء وصعد فهو اولى بها قيل كانوا يكتبون التورية فالقوا أقلامهم التي كانت بايديهم فارتز قلم زكريا فارتفع فوق الماء وانحدرت أقلامهم ورسبت فى النهر قاله محمد بن إسحاق وقال السدى وجماعة بل ثبت قلم زكريا وقام فوق الماء كانه فى طين وجرت أقلامهم- وقيل جرى قلم زكريا مصعدا الى أعلى الماء وجرى أقلامهم مع جرى الماء فذهب بها الماء- فسهمهم وقرعهم زكريا وكان رأس الأحبار ونبيهم وَكَفَّلَها قرا حمزة وخلف- ابو محمد والكسائي وعاصم بتشديد الفاء من باب التفعيل والفاعل هو الله تعالى لتقرره فى الأذهان او الضمير المرفوع......

مستتر فيها راجع الى ربها والباقون بالتخفيف والفاعل زكريّاء بالمد عند الجمهور مرفوع لفظا وقرا حمزة وخلف- ابو محمد والكسائي وحفص عن عاصم بالقصر منصوب المحل بالمفعولية وابو بكر عن عاصم بالمد منصوبا لفظا والمعنى على قراة الجمهور قام بامرها زكريا وعلى قراءة الكوفيين ضمها الله بالقرعة زكريا بن اذن بن مسلم بن صدون من أولاد سليمان بن داود عليهم السلام فبنى زكريا لها بيتا واسترضع لها- وقال محمد بن إسحاق ضمها الى خالتها أم يحيى حتى إذا شبّت وبلغت مبلغ النساء بنى لها محرابا فى المسجد وجعل بابه فى وسطها لا يرقى إليها الا بالسلّم مثل باب الكعبة ولا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كل يوم كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا بالمد والقصر كما مر فى سائر القران لم يعطف هذه الجملة لكونها مقررة لما قبلها اعنى تقبلها بقبول حسن او لعدم الجامع باعتبار المسند او المسند اليه- وكلما ظرف زمان فيه معنى الشرط منصوب بما وقع جوابه اعنى وجد الْمِحْرابَ اى الغرفة التي بنى لها والمحراب اشرف المجالس ومقدمها- ويقال ايضا للمسجد المحراب لانه محل محاربة مع الشيطان- قال المبرد لا يكون المحراب الا ان يرتقى اليه بدرج اخرج ابن جرير عن الربيع بن انس قال كان إذ اخرج اغلق عليها سبعة أبواب فاذا دخل عليها غرفتها وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً اى فاكهة فى غير حينها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف قالَ زكريا استبعادا يا مَرْيَمُ أَنَّى اى من اين وقيل من اىّ جهة لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ اخرج ابن جرير عن ابن عباس ان رزقها كان ينزل من الجنة- وقال الحسن حين ولدت مريم لم تلقم ثديا قط وكان يأتيها رزقها من الجنة وقد تكلمت وهى صغيرة كعيسى إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧) بغير تقدير لكثرته او بغير استحقاق تفضلا منه يحتمل ان يكون من كلامها او من كلام الله تعالى- وهذه القصة دليل على كرامة الأولياء- وجعل ذلك معجزة لزكريا يدفعه اشتباه الأمر عليه حيث قال انى لك هذا اخرج ابو يعلى فى مسنده من حديث جابر ان فاطمة رضى الله عنها أهدت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم رغيفين وبضعة لحم فرجع بهما إليها وقال هلمى يا بنية فكشفت عن الطبق فاذا هو مملو بالخبز واللحم فقال أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فقال الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بنى إسرائيل ثم جمع عليا......