آيات من القرآن الكريم

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

ظاهرا لجاز تودد. وهى فى قراءة عَبْد اللَّه وما عملت من سوء ودت فهذا دليل «١» على الجزم، ولم أسمع أحدا من القراء قرأها جزما.
وقوله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ... (٣٣)
يقال اصطفى دينهم على جميع الأديان لانهم كانوا مسلمين، ومثله مما أضمر فِيهِ شيء فألقى قوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها «٢».
ثم قال ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ فنصب الذرية على جهتين إحداهما أن تجعل الذرية قطعا من الاسماء قبلها لانهن معرفة. وإن شئت نصبت على التكرير، اصطفى ذرية بعضها من بعض، ولو استأنفت فرفعت كان صوابا.
وقوله: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً... (٣٥)
لبيت المقدس: لا أشغله بغيره.
وقوله: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ... (٣٦)
قد يكون من إخبار مريم فيكون وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ يسكن العين، وقرأ بها «٣» بعض القراء، ويكون من قول اللَّه تبارك وتعالى، فتجزم التاء لأنه خبر عن أنثى غائبة.

(١) وجه الدلالة أن جعل ما شرطية يصرف الماضي عن المضىّ الذي لا يستقيم هنا.
(٢) آية ٨٢ سورة يوسف. [.....]
(٣) هى قراءة أبى بكر وابن عامر كما فى القرطبي.

صفحة رقم 207

وقوله: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا... (٣٧)
من شدد جعل زكرياء فِي موضع نصب كقولك: ضمنها زكرياء، ومن خفف الفاء جعل زكرياء فِي موضع رفع. وفي زكريا ثلاث لغات: القصر فى ألفه، فلا يستبين فيها رفع ولا نصب ولا خفض، وتمد ألفه فتنصب وترفع بلا نون لأنه لا يجرى «١»، وكثير من كلام العرب أن تحذف المدة والياء «٢» الساكنة فيقال: هذا زكرى قد حاء فيجرى لأنه يشبه المنسوب من أسماء العرب.
وقوله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً... (٣٨)
الذرية جمع، وقد تكون فِي معنى واحد. فهذا من ذلك لأنه قد قال:
فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا «٣» ولم يقل أولياء. وإنما قيل «طيبة» ولم يقل طيبا لأن الطيبة أخرجت على لفظ الذرّية فأنث لتأنيثها، ولو قيل ذرية طيبا كان صوابا.
ومثله من كلام العرب قول الشاعر:
أَبُوك خليفة ولدته أخرى... وأنت خليفة ذاك الكمال
فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر. وقال آخر.
فما تزدرى من حية جبلية... سكاتٍ إذا ما عضّ ليس بأدردا «٤»

(١) الإجراء فى اصطلاح الكوفيين الصرف.
(٢) لم تحذف الياء الساكنة فى الصورة التي أثبتها وفيها ياء مشدّدة تشبه ياء النسب. وقد اشتبه عليه الأمر بلغة رابعة، وهى تخفيف الياء فيكون منقوصا، ويقال: هذا زكر بتنوين الراء مكسورة.
وانظر اللسان.
(٣) آية ٥ سورة مريم.
(٤) «جبلية» يقال للحية ابنة الجبل، فلذلك قال: جبلية. و «سكات» : لا يشعر به الملسوع حتى يلسعه. وأدرد: صفة من الدرد، وهو ذهاب الأسنان، ومؤنثه درداء. وانظر اللسان فى (سكت).

صفحة رقم 208

فقال: جبليّة، فأنّث لتأنيث اسم الحية، ثُمَّ ذكر إذ قال: إذا ما عض ولم يقل:
عضت. فذهب إلى تذكير المعنى. وقال الآخر «١» :

تجوب بنا الفلاة إلى سعيدٍ إذا ما الشاة فِي الأرطاة قالا
ولا يجوز هذا النحو إلا فِي الاسم الَّذِي لا يقع عليه فلان مثل «٢» الدابة والذرية والخليفة فإذا سميت رجلا بشيء من ذلك فكان فِي معنى فلان لم يجز تأنيث فعله ولا نعته. فتقول فِي ذلك: حَدَّثَنَا المغيرة الضبي، ولا يجوز الضبية. ولا يجوز أن تقول: حدثتنا لأنه فِي معنى فلان وليس فِي معنى فلانة. وأما قوله «٣» :
وعنترة الفلحاء جاء ملامًا كأنه فند من عماية أسود
فإنه قال: الفلحاء «٤» فنعته بشفته. قال: وسمعت أبا ثروان يقول لرجل من ضبة وكان عظيم العينين: هذا عينان قد جاء، جعله كالنعت له. وقال بعض الأعراب لرجل أقصم «٥» الثنية: قد جاءتكم القصماء، ذهب إلى سنّه.
(١) هو الفرزدق. والشاة هنا الثور الوحشىّ. والأرطاة شجرة عظيمة. وقال من القيلولة. وانظر اللسان (شوه).
(٢) فى ج: «من».
(٣) هو شريح بن بجير الثعلبىّ، كان وقع بينه وبين بنى فزارة وعبس حرب فأعانه قومه. وقبل البيت:
ولو أن قومى قوم سوء أذلة لأخرجنى عوف بن عمرو وعصيد
وعوف وعصيد من فزارة، وعنترة من عبس. و «ملأما» : لابسا اللأمة وهى الدرع. والفند:
القطعة العظيمة الشخص من الجبل. وعماية: جبل عظيم بنجد. وقوله (كأنه) يقرأ باختلاس ضم الهاء.
وفى ج، ش: «كأنك» فإن صح هذا كان من باب الالتفات من الغيبة إلى الحطاب. وانظر اللسان (فلح).
(٤) هو وصف المؤنث من الفلح، وهو الشق فى الشفة السفلى، فأما الشق فى الشفة العليا فهو العلم.
(٥) هو وصف من القصم، وهو تكسر الثنية من النصف.

صفحة رقم 209

وقوله: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ... (٣٩)
يقرأ بالتذكير والتأنيث «١». وكذلك فعل الملائكة وما أشبههم من الجمع: يؤنث ويذكر. وقرأت القراء يعرج الملائكة «٢»، وتَعْرُجُ و «تَتَوَفَّاهُمُ «٣» - ويتوفاهم الملائكة» وكل صواب. فمن ذكر ذهب إلى معنى التذكير، ومن أنث فلتأنيث الاسم، وأن الجماعة من الرجال والنساء وغيرهم يقع عليه «٤» التأنيث. والملائكة فِي هذا الموضع جبريل صلى اللَّه عليه وسلم وحده. وذلك جائز فِي العربية: أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع كما تقول فِي الكلام: خرج فلان فِي السفن، وإنما خرج فِي سفينة واحدة، وخرج على البغال، وإنما ركب بغلا واحدا. وتقول: ممن سمعت هذا الخبر؟
فيقول: من الناس، وإنما سمعه من رَجُل واحد. وقد قال اللَّه تبارك وتعالى:
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ «٥»، وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ «٦» ومعناهما والله أعلم واحد:
وذلك جائز فِيما لم يقصد فِيهِ قصد واحدٍ بعينه.
وقوله وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ تقرأ بالكسر. والنصب فيها أجود فِي العربية. فمن فتح (أن) أوقع النداء عليها كأنه قال: نادوه بذلك أن اللَّه يبشرك. ومن كسر قال: النداء «٧» فِي مذهب القول، والقول حكاية. فاكسر إن بمعنى الحكاية. وفي قراءة عَبْد اللَّه فناداه الملائكة وهو قائم يصلي فِي المحراب يا زكريا إن اللَّه يبشرك فإذا أوقع النداء على منادى ظاهر مثل (يا زَكَرِيَّا) وأشباهه كسرت (إن) لأن الحكاية تخلص، إذا كان ما فِيهِ (يا) ينادي بها، لا يخلص إليها رفع ولا نصب ألا ترى أنك تقول: يا زَيْدُ إنك قائم، ولا يجوز يا زَيْدُ أنك قائم. وإذا قلت:

(١) قرأ العامة: «فنادته الملائكة»، بالتأنيث، وقرأ حمزة والكسائي: «فناداه الملائكة».
(٢) آية ٤ سورة المعارج.
(٣) آية ٢٨ سورة النحل.
(٤) الضمير يعود على الجماعة، بتأويلها بالجمع. وهذا إن لم يكن الأصل: «عليها». [.....]
(٥) آية ٣٣ سورة الروم.
(٦) آية ٨ سورة الزمر.
(٧) فى ج، ش: «فى النداء» والوجه ما أثبت.

صفحة رقم 210

ناديت زيدا أنه قائم فنصبت (زيدا) بالنداء جاز أن توقع النداء على (أن) كما أوقعته على زَيْد. ولم يجز أن تجعل إن مفتوحة إذا قلت يا زَيْدُ لأن زيدا لم يقع عليه نصب معروف. وقال فِي طه: «فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يَا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ» «١» فكسرت (إني). ولو فتحت كان صوابا من الوجهين أحدهما أن تجعل النداء واقعا على (إن) خاصة لا إضمار «٢» فيها، فتكون (أن) فِي موضع رفع. وإن شئت جعلت فِي (نودي) اسم مُوسَى مضمرا، وكانت (أن) فِي موضع نصب تريد: بأني أَنَا ربك. فإذا خلعت الباء نصبته. فلو قيل فِي الكلام: نودي أن يا زَيْدُ فجعلت (أن يا زيد) [هو المرفوع بالنداء] «٣» كان صوابا كما قال الله تبارك وتعالى: «وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا» «٤».
فهذا ما فى النداء إذا أوقعت (إن) قيل يا زَيْد، كأنك قلت: نودي بهذا النداء إذا أوقعته على اسم بالفعل فتحت أن وكسرتها. وَإِذَا ضممت إِلَى النداء الَّذِي قد أصابه الفعل اسما منادى فلك أن تحدث (أن) معه فتقول ناديت أن يا زَيْدُ، فلك أن تحذفها من (يا زَيْدُ) فتجعلها فِي الفعل بعده ثُمَّ تنصبها.
ويجوز الكسر على الحكاية.
ومما يقوى مذهب من أجاز «إِنَّ الله يبشرك» بالكسر على الحكاية قوله:
«وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ» «٥» ولم يقل: أن ليقض علينا ربك. فهذا مذهب الحكاية. وقال فِي موضع أخر «وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا» «٦» ولم يقل: أفيضوا، وهذا أمر وذلك أمر لتعلم أن الوجهين صواب.

(١) آيتا ١١، ١٢
(٢) أي أن كلمة «نودى» ليس فيها مضمر مرفوع هو نائب الفاعل، وإنما المرفوع بها هو أنى....
(٣) زيادة يقتضيها السياق.
(٤) آيتا ١٠٤- ١٠٥ سورة والصافات.
(٥) آية ٧٧ سورة الزخرف.
(٦) آية ٥٠ سورة الأعراف.

صفحة رقم 211

و «يبشرك» قرأها [بالتخفيف] «١» أصحاب عَبْد اللَّه فِي خمسة مواضع من القرآن: فِي آل عِمْرَانَ حرفان «٢»، وفي بني «٣» إسرائيل، وفي الكهف «٤»، وَفِي مريم «٥». والتخفيف والتشديد صواب. وكأن المشدد على بشارات البشراء، وكأن التخفيف من وجهة الأفراح والسرور. وهذا شيء كان المشيخة يقولونه. وأنشدني بعض العرب:

بشرت عيالى إذ رأيت صحيفةً أتتك من الحجاج يتلى كتابها
وقد قَالَ بعضهم: أبشرت، ولعلها لغة حجازية. وسمعت سُفْيَان بْن عيينة يذكرها يبشر «٦». وبشرت لغة سمعتها من عكل، ورواها الكسائي عن غيرهم. وقال أَبُو ثروان:
بشرني بوجه حسن. وأنشدني الكسائي:
وإذا رَأَيْت الباهشين إلى العلى غبرا أكفهم بقاع ممحل «٧»
فأعنهم وابشر بما بشروا به وإذا هُمْ نزلوا بضنك فانزل
وسائر القرآن يشدد فِي قول أصحاب عَبْد الله وغيرهم.
وقوله: يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً نصبت (مصدقا) لأنه نكرة، ويحيى معرفة.
وقوله: بِكَلِمَةٍ يعنى مصدّقا بعيسى.
(١) زيادة يقتضيها السياق. يريد بالتخفيف قراءة الفعل (يبشر) على وزن ينصر.
(٢) هما فى آيتي ٣٩، ٤٥.
(٣) فى آية ٩.
(٤) فى آية ٢.
(٥) فى آية ٩٧. [.....]
(٦) فى اللسان: «فليبشر».
(٧) هذا الشعر من قصيدة مفضلية لعبد قيس بن خفاف البرجمىّ، يوصى فيها ابنه جبيلا. والباهش هو الفرح، كما قال الضبىّ، أو هو المتناول. وقوله: «وابشر بما بشروا به» فى رواية المفضليات:
«وأيسر بما يسروا به»، أي ادخل معهم فى الميسر ولا تكن بر ما تنكب عنهم فإن الدخول فى الميسر من شيمة الكرماء عندهم إذ كان ما يخرج منه يصرف لذوى الحاجات. وانظر شرح المفضليات لابن الأنبارى ص ٧٥٣.

صفحة رقم 212
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية