
(إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) الجملة خبر إن وانما كافة ومكفوفة واستزلهم الشيطان فعل ومفعول به وفاعل وأعاد إن بطريق الحصر تنبيها على مصدر الغي وسببه، وهو ركونهم الى الشيطان وإنصاتهم لداعيه. وببعض جار ومجرور متعلقان باستزلهم وما اسم موصول في محل جر بالاضافة وجملة كسبوا صلة الموصول والعائد محذوف أي بتركهم المركز الذي أمرهم الرسول بالثبات فيه فجرهم ذلك الى الهزيمة (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لاعلان العفو عنهم بعد ما تابوا واعتذروا واللام جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق وعفا الله فعل وفاعل وعنهم جار ومجرور متعلقان بعفا (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) ان واسمها، وغفور حليم خبران لإن والجملة تعليلية لقوله: عفا عنهم.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٥٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦)
اللغة:
(ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) : سافروا فيها وأبعدوا في سفرهم للتجارة أو للغزو أو لغير ذلك من المقاصد.

(غُزًّى) جمع غاز، والقياس غزاة كرام ورماة وساع وسعاة، ولكنهم حملوا المعتل على الصحيح.
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم اعرابها (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) لا ناهية وتكونوا فعل مضارع ناقص مجزوم بلا والواو اسمها وكالذين جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ولك أن تجعل الكاف اسما بمعنى مثل فتكون هي الخبر والذين اسم موصول مضاف اليه وجملة كفروا صلة، وجملة النهي مستأنفة مسوقة لتحذير المؤمنين من الاحتذاء بالمنافقين والنطق بمثل ما قالوه (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) عطف على الصلة والمراد بالاخوة اتفاق الجنس أو النسب. وإذا لمجرد الظرفية يراد بها حكاية الحال الماضية تجسيدا للصورة والظرف متعلق بقالوا وجملة ضربوا في الأرض في محل جر بالاضافة لوقوعها بعد الظرف (أَوْ كانُوا غُزًّى) عطف على جملة ضربوا في الأرض وغزّى خبر كانوا والواو اسمها (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) الجملة في محل نصب مقول القول ولو شرطية وكان واسمها، وعندنا ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كانوا أي مقيمين عندنا وجملة ما ماتوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وجملة وما قتلوا عطف على جملة ما ماتوا (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) اللام لام العاقبة أو الصيرورة أي قالوا ذلك ليصيروا الى هذه العاقبة، ويجعل فعل مضارع بأن مضمرة جوازا بعد لام العاقبة وهي والمصدر المجرور بها متعلقان بفعل محذوف يفهم من السياق أي: قالوا ذلك واعتقدوه، والله فاعل وذلك مفعول به أول وحسرة مفعول به ثان وفي قلوبهم

جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لحسرة. والمشار اليه هو الجهر بالقول والاعتقاد، وجعله الزجاج ظنهم بأنهم لو لم يحضروا لم يقتلوا (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) الواو استئنافية والله مبتدأ وجملة يحيي خبر وجملة يميت عطف على جملة يحيي (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الواو استئنافية والله مبتدأ بما جار ومجرور متعلقان ببصير وجملة تعملون لا محل لها لأنها صلة الموصول وبصير خبر «الله».
البلاغة:
١- في هذه الآية فن رائع من فنون البلاغة وهو حكاية الحال الماضية استحضارا للصورة في الذهن وتجسيدا للمعنى المراد وتشخيصا لما يريد المتكلم عرضه، فإذا ظرف للمستقبل وقد جاء متعلقا بقالوا، وهي فعل ماض، وكان ظاهر الكلام يقضي باستعمال «إذ» المفيدة للمضيّ، ولكنه عدل عنها الى «إذا» لحكاية الحال الماضية، واستحضارها في الذهن، وفائدتها استمرار الزمان المنتظم للحال الذي يدور عليه الحديث الى وقت التكلم، وقد فصل الزجّاج هذا المعنى تفصيلا بارعا بقوله: «إذا هنا تنوب عما مضى من الزمان وما يستقبل يعني أنها لمجرد الوقت أو يقصد بها الاستمرار».
٢- الطباق بين يحيي ويميت، وهو من أوجز الحديث وأصدقه وأبعده في الدلالة على المعنى المراد، فانه سبحانه قد يحيي المسافر والغازي مع اقتحامهما موارد الهلكة، ثم يميت المقيم والقاعد مع أخذهما بأسباب الحيطة والحذر. وقد رمق أبو الطيب المتنبي هذه السماء العالية من البلاغة بقوله: