
لقوله صلّى الله عليه واله وسلّم: نصرت بالرعب وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ كان رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم قد وعد المسلمين عن الله بالنصر، فنصرهم الله أولا، وانهزم المشركون وقتل منهم اثنان وعشرون رجلا، وكان رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم، قد أمر الرماة أن يثبتوا في مكانهم ولا يبرحوا فلما رأوا المشركين قد انهزموا طمعوا في الغنيمة وأتبعوهم، وخالفوا ما أمروا به من الثبوت في مكانهم، فانقلبت الهزيمة على المسلمين إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أي: تقتلونهم قتلا ذريعا يعني في أول الأمر وَتَنازَعْتُمْ وقع النزاع بين الرماة فثبت بعضهم كما أمروا ولم يثبت بعضهم وَعَصَيْتُمْ أي خالفتم ما أمرتم به من الثبوت، وجاءت المخاطبة في هذا لجميع المؤمنين وإن كان المخالف بعضهم وعظا للجميع، وسترا على من فعل ذلك وجواب إذ محذوف تقديره: لانهزمتم مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا الذين حرصوا على الغنيمة معه لِيَبْتَلِيَكُمْ معناه لينزل بكم ما نزل من القتل والتمحيص وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ إعلام بأن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بهم، لولا عفو الله عنهم، فمعناه لقد أبقى عليكم، وقيل:
هو عفو عن الذنب إِذْ تُصْعِدُونَ العامل في إذ عفا، فيوصل إذ تصعدون مع ما قبله ويحتمل أن يكون العامل فيه مضمر وَلا تَلْوُونَ مبالغة في صفة الانهزام وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ كان رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم يقول: إليّ عباد الله، وهم يفرون فِي أُخْراكُمْ من خلفكم وفيه مدح للنبي صلّى الله عليه واله وسلّم فإنّ الأخرى هي موقف الأبطال فَأَثابَكُمْ أي جازاكم غَمًّا بِغَمٍّ قيل: أثابكم غما بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم وعلى المؤمنين إذ عصيتم وتنازعتم وقيل أثابكم غما متصلا بغم، وأحد الغمين: ما أصابهم من القتل والجراح والآخر: ما أرجف به من قتل رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم عَلى ما فاتَكُمْ من النصر والغنيمة وَلا ما أَصابَكُمْ من القتل والجراح والانهزام
أَمَنَةً نُعاساً قال ابن مسعود: نعسنا يوم أحد، والنعاس في الحرب أمان من الله يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ هم المؤمنون المخلصون، غشيهم النعاس تأمينا لهم وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ هم المنافقون كانوا خائفين من أن يرجع إليهم أبو سفيان، والمشركون غَيْرَ الْحَقِّ معناه

يظنون أن الإسلام ليس بحق، وأن الله لا ينصرهم، وظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل وهو على حذف الموصوف تقديره ظن المودة الجاهلية «١»، أو الفرقة الجاهلية هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قالها عبد الله بن أبي بن سلول، والمعنى: ليس لنا رأي، ولا يسمع قولنا أو: لسنا على شيء من الأمر الحق، فيكون قولهم على هذا كفرا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يحتمل أن يريد الأقوال التي قالوها أو الكفر لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قاله معتب بن قشير «٢»، ويحتمل من المعنى ما احتمل قول عبد الله بن أبي قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ الآية: رد عليهم، وإعلام بأن أجل كل إنسان إنما هو واحد، وأن من لم يقتل يموت بأجله، ولا يؤخر، وأن من كتب عليه القتل لا ينجيه منه شيء وَلِيَبْتَلِيَ يتعلق بفعل تقديره فعل بكم ذلك ليبتلي إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا الآية: نزلت فيمن فر يوم أحد اسْتَزَلَّهُمُ أي طلب منهم أن يزلوا، ويحتمل أن يكون معناه: أزلهم أي أوقعهم في الزلل بِبَعْضِ ما كَسَبُوا أي كانت لهم ذنوب عاقبهم الله عليها بأن مكن الشيطان من استزلالهم عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ أي غفر لهم ما وقعوا فيه من الفرار لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا أي المنافقين لِإِخْوانِهِمْ هي أخوة القرابة، لأن المنافقين كانوا من الأوس والخزرج، وكان أكثر المقتولين يوم أحد منهم، ولم يقتل من المهاجرين إلّا أربعة إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أي سافروا وإنما قال: إذا التي للاستقبال مع قالوا، لأنه على حكاية الحال الماضية أَوْ كانُوا غُزًّى جمع غاز وزنه فعّل بضم الفاء وتشديد العين لَوْ كانُوا عِنْدَنا اعتقاد منهم فاسد لأنهم ظنوا أن إخوانهم لو كانوا عندهم لم يموتوا ولم يقتلوا، وهذا قول من لا يؤمن بالقدر والأجل المحتوم، ويقرب منه مذهب المعتزلة في القول بالأجلين لِيَجْعَلَ متعلق بقالوا. أي قالوا ذلك فكان حسرة في قلوبهم، فاللام لام الصيرورة لبيان العاقبة ذلِكَ إشارة إلى قولهم واعتقادهم الفاسد الذي أوجب لهم الحسرة، لأن الذي يتيقن بالقدر والأجل تذهب عنه
(٢). وهو أحد بني عمرو بن عوف وكان منافقا.