
كَسَبُوا}، ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ﴾ فلم يؤاخذهم ﴿إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾.
هداية الايتين
من هداية الآيتين:
١- إكرام الله تعالى لأولياءه بالأمان الذي أنزله في قلوبهم.
٢- إهانة الله تعالى لأعدائه بحرمانهم مما أكرم به أولياءه وهم في مكان واحد.
٣- تقرير مبدأ القضاء والقدر، وأن من كتب موته في مكان لا بد وأن يموت فيه.
٤- أفعال الله تعالى لا تخلو أبداً من حكم عالية فيجب التسليم لله تعالى والرضا بأفعاله في خلقه.
٥- الذنب يولد الذنب، والسيئة تتولد عنها سيئة أخرى، فلذا وجبت التوبة من الذنب فوراً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (١٥٧) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (١٥٨) ﴾
شرح الكلمات:
﴿آمَنُوا﴾ : صدقوا الله ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد.
﴿لإِخْوَانِهِمْ﴾ : هذه أخوة العقيدة لا أخوة النسب، وهي هنا أخوة النفاق.
﴿ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ﴾ : ضربوا في الأرض بأقدامهم مسافرين١ للتجارة غالباً.

﴿غُزّىً١﴾ : جمع غاز وهو من يخرج لقتال ونحوه من شؤون الحرب.
الحسرة٢: ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب. معنى الآيات:
ما زال السياق في أحداث غزوة أحد ونتائجها المختلفة، ففي هذه الآية (١٥٦) ينادي الله المؤمنين الصادقين في إيمانهم بالله ورسوله ووعد الله تعالى ووعيده يناديهم٣ لينهاهم عن الاتصاف بصفات الكافرين النفسية وهو من ذلك قول الكافرين لإخوانهم في الكفر: إذ هم ضربوا في الأرض لتجارة أو لغزو فمات من مات منهم أو قتل من قتل بقضاء الله وقدره، لو كانوا عندنا، أي: ما فارقونا وبقوا في ديارنا ما ماتوا وما قتلوا وهذا دال على نفسية الجهل ومرض الكفر، وحسب سنة الله تعالى فإن هذا القول منهم يتولد، لهم عنه بإذنه تعالى غم نفسي وحسرات قلبية تمزقهم، وقد تودي بحياتهم، وما درى أولئك الكفرة الجهال أن الله يحيي ويميت، فلا السفر ولا القتال يميتان، ولا القعود في البيت جبناً وخوراً يحيي، هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّىً لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ وقوله تعالى في ختام هذه الآية: ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ في وعد للمؤمنين إن انتهوا عما نهاهم عنه في الآية ووعيد إن لم ينتهوا فيجزيهم بالخير خيراً، وبالشر إن لم يعفوا شراً. أما الآية الثانية (١٥٧) فإن الله تعالى يبشر عباده المؤمنين مخبراً إياهم بأنهم إن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا فيه يغفر لهم ويرحمهم وذلك خير مما يجمع الكفار من حطام الدنيا ذلك الجمع للحطام الذي جعلهم يجبنون على القتال والخروج في سبيل الله فقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ٤ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ٥ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ٦﴾، وفي الآية الثالثة (١٥٨) يؤكد تلك الخيرية التي تضمنتها الآية السابقة فيقول: ﴿وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ﴾
٢ والحسرة: شدة الأسف على الحزن.
٣ في نداء الله المؤمنين بعنوان الإيمان، وهي صفة جامعة لهم فيه تلطف بعد تقريع فريق منهم، وهم الذين تولوا عن القتال يوم التقى الجمعان.
٤ اللام موطئة للقسم: أي: مؤذنة بأن قبلها قسماً مقدراً، واللام: ﴿المَغْفِرة﴾ هي في جواب القسم الذي هو المغفرة.
٥ أهل الحجاز يقولون: متم بكسر الميم، نحو: نمتم من نام ومات وغيرهم يقولون: مُتم بضم الميم في متم، ونمتم، نحو: كنتم وقلتم.
٦ قرئ: ﴿تَجْمَعون﴾ بالتاء، أي: أنتم أيها المؤمنون: ﴿ويَجمَعوُن﴾ بالياء، أي: الكافرون والمنافقون.