آيات من القرآن الكريم

فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

أَمَّا قَوْلُهُ: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْفَرَاغَ بِالْفَرَاغِ مِنَ الْحُزْنِ، قَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ قَوْلِهِ: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْفَرَاغَ بِحُصُولِ الْخَوْفِ فَذَكَرُوا وُجُوهًا: أَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَادَتْ تُخْبِرُ بِأَنَّ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ ابْنِي، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ كَادَتْ تَقُولُ وا ابناه مِنْ شَدَّةِ وَجْدِهَا بِهِ وَذَلِكَ حِينَ رَأَتِ الْمَوْجَ يَرْفَعُ وَيَضَعُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ ذَلِكَ حِينَ سَمِعَتِ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّهُ ابْنُ فِرْعَوْنَ وَقَالَ السُّدِّيُّ لَمَّا أُخِذَ ابْنُهَا كَادَتْ تَقُولُ هُوَ ابْنِي فَعَصَمَهَا اللَّه تَعَالَى، ثم قال: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها بِإِلْهَامِ الصَّبْرِ كَمَا يُرْبَطُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُتَفَلِّتِ لِيَسْتَقِرَّ وَيَطْمَئِنَّ لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِوَعْدِ اللَّه وَهُوَ قوله: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ [القصص: ٧].
أَمَّا قَوْلُهُ: وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ أَيِ اتَّبِعِي أَثَرَهُ وَانْظُرِي إِلَى أَيْنَ وَقَعَ وَإِلَى مَنْ صَارَ وَكَانَتْ أُخْتُهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَاسْمُهَا مَرْيَمُ فَبَصُرَتْ بِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَبْصَرَتْهُ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَبْصَرَتْهُ وَبَصُرَتْ بِهِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ: عَنْ جُنُبٍ أَيْ عَنْ بُعْدٍ وَقُرِئَ عَنْ جَانِبٍ وَعَنْ جَنْبٍ وَالْجَنْبُ الْجَانِبُ أَيْ نَظَرَتْ نَظْرَةً مُزْوَرَّةً مُتَجَانِبَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بحالها وغرضها.
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)
اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا مَنْ قَبْلِهِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بِالتَّعَبُّدِ وَالنَّهْيِ لَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ سِوَاهُ وَذَلِكَ الْفِعْلُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَعَالَى مَعَ حَاجَتِهِ إِلَى اللَّبَنِ أَحْدَثَ فِيهِ نِفَارَ الطَّبْعِ عَنْ لَبَنِ سَائِرِ النِّسَاءِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَرْضَعْ أَوْ أَحْدَثَ فِي لَبَنِهِنَّ مِنَ الطَّعْمِ مَا يَنْفِرُ عَنْهُ طَبْعُهُ أَوْ وَضَعَ فِي لَبَنِ أُمِّهِ لَذَّةً فَلَمَّا تَعَوَّدَهَا لَا جَرَمَ كَانَ يَكْرَهُ لَبَنَ غَيْرِهَا، وَعَنِ الضَّحَّاكِ كَانَتْ أُمُّهُ قَدْ أَرْضَعَتْهُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ حَتَّى عَرَفَ رِيحَهَا وَالْمَرَاضِعُ جَمْعُ مُرْضِعٍ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تُرْضِعُ أَوْ جَمْعُ مَرْضَعٍ وَهُوَ مَوْضِعُ الرِّضَاعِ أَيِ الثَّدْيِ أَوِ الرِّضَاعِ وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبْلُ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ رَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ وَمِنْ قَبْلِ مَجِيءِ أُخْتِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمِنْ قَبْلِ وِلَادَتِهِ فِي حُكْمِنَا وَقَضَائِنَا فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَتْ/ أُخْتُهُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أَيْ يَضْمَنُونَ رَضَاعَهُ وَالْقِيَامَ بِمَصَالِحِهِ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ لَا يَمْنَعُونَهُ مَا يَنْفَعُهُ فِي تَرْبِيَتِهِ وَإِغْذَائِهِ، وَلَا يَخُونُونَكُمْ فِيهِ وَالنُّصْحُ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ مِنْ شَائِبَةِ الْفَسَادِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ إِنَّهَا لَمَّا قَالَتْ: وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ دَلَّ ظَاهِرُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ لَهَا هَامَانُ قَدْ عَرَفْتِ هَذَا الْغُلَامَ فَدُلِّينَا عَلَى أَهْلِهِ فَقَالَتْ مَا أَعْرِفُهُ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا قُلْتُ هُمْ لِلْمَلِكِ نَاصِحُونَ لِيَزُولَ شَغْلُ قَلْبِهِ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ آسِيَةَ فِي شِدَّةِ مَحَبَّتِهِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَا عَلَى مَا قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِذَلِكَ فَقَطْ ثم قال تَعَالَى: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ بِهَذَا الضَّرْبِ مِنَ اللُّطْفِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أَيْ فِيمَا كَانَ وَعَدَهَا مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّهُ إِلَيْهَا، وَلَقَدْ كَانَتْ عَالِمَةً بِذَلِكَ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ فَتَحَقَّقَتْ بِوُجُودِ الْمَوْعُودِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فِيهِ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ وَبَعْدُ لَا يَعْلَمُونَ لِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ فِي آيَاتِ اللَّه وَثَانِيهَا: قَالَ

صفحة رقم 582
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية