آيات من القرآن الكريم

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

لمّا استبعدوا قدرة الله فى الإعادة أراهم فى أنفسهم عيانا، ثم لم ينفع إظهار ذلك لمن لم يشحذ بصيرته فى التوحيد. ومن قويت بصيرته لم يضره عدم تلك المشاهدات فإنهم تحققوا بما أخبروا، لما آمنوا به بالغيب.
قوله جل ذكره:
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٤]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)
يعنى إن مسّكم ألم فتصاعد «١» منكم أنين فاعلموا أن الله سميع لأنينكم، عليم بأحوالكم، بصير بأموركم. والآية توجب تسهيل ما يقاسونه من الألم، وقالوا:
إذا ما تمنى الناس روحا وراحة... تمنيت أن أشكو إليك فتسمع
قوله جل ذكره:
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٥]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)
سمّى القرض قرضا لأنه يقطع «٢» من ماله شيئا ليعطيه للمقترض، والمتصدّق لما يقطع الصدقة من ماله سميت صدقته قرضا، فالقرض القطع، ولكن هذه التسمية لحفظ قلوب الأحباب حيث خاطبك فى باب الصدقة باسم القرض ولفظه.
ويقال دلّت الآية على عظم رتبة الغنيّ حيث سأل منه القرض، ولكن رتبة الفقير فى هذا أعظم لأنه سأل لأجله القرض، وقد يسأل القرض من «٣» كل أحد ولكن لا يسأل لأجل كل أحد. وفى الخبر «مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودرعه مرهونة عند أبى شحمة اليهودي على شعير أخذه لقوت عياله «٤» أبصر ممّن اقترض ولأجل من اقترض! ويقال القرض الحسن ما لا تتطلع عليه لجزاء ولا تطلب بسببه العوض.

(١) وردت (فقصاعد) وواضح أنها خطأ فى النسخ.
(٢) أخطأ الناسخ فجاءت (يقع) وقد اخترنا (يقطع) لتناسب القرض... القطع كما سيذكر بعد.
(٣) وردت (عن) والصحيح والملائم للسياق أن يقال (من).
(٤) للحديث بقية (... ولم يترك دينارا ولا درهما، ولم يقسم له ميراث ولم يوجد له فى بيت أثاث) البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة (توفي ودرعه مرهونة عند يهودى بثلاثين)، وعن البيهقي بثلاثين صاعا من الشعير، والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عباس بعشرين صاعا من طعام أخذه لأهله. وسنده حسن، ولم يترك ولا درهما، مسلم عن عائشة.

صفحة رقم 189

ويقال القرض الحسن ألا يعطى على الغفلة، وإنما يعطى عن شهود.
ويقال القرض الحسن من العلماء «١» إذا كان عند ظهر الغنى، ومن الأكابر إذا كان بشرط الإيثار يعطى ما لا بد منه.
ويقال القرض الحسن من العلماء عن مائتين خمسة «٢»، وعلى لسان القوم بذل الكل، وزيادة الروح على ما يبذل.
قوله جل ذكره: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
يقبض الصدقة من الأغنياء قبض قبوله، ويبسط عليهم بسط خلفه.
ويقال يقبض الرزق أي يضيق، يبسط الرزق أي يوسّع يقبض على الفقراء ليمتحنهم بالصبر، ويبسط على الأغنياء ليطالبهم بالشكر.
ويقال يقبض تسلية للفقراء ليطالبهم حتى لا يروا من الأغنياء، ويبسط لئلا يتقلدوا المنّة من الأغنياء.
ويقال قال للأغنياء: إذا أنا قبضت الرزق على الفقراء فلا تذروهم، وإذا أنا بسطت عليكم فلا تروا ذلك لفضيلة لكم.
ويقال قبض القلوب بإعراضه وبسطها بإقباله.
ويقال القبض لما غلب القلوب من الخوف، والبسط لما يغلب عليها من الرجاء.
ويقال القبض لقهره والبسط لبرّه.
ويقال القبض لسرّه والبسط لكشفه.
ويقال القبض للمريدين والبسط للمرادين.
ويقال القبض للمتسابقين «٣» والبسط للعارفين.
ويقال يقبضك عنك ثم يبسطك به.

(١) يقصد القشيري بالعلماء. على لسان الشريعة، وبالأكابر- على لسان الحقيقة.
(٢) يشير بذلك إلى مقدار زكاة المال وهى ربع العشر.
(٣) ربما كانت «للسابقين» إشارة إلى قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ».

صفحة رقم 190
تفسير القشيري
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
تحقيق
إبراهيم البسيوني
الناشر
الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر
سنة النشر
2000
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية