
أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا وقال الفقراء: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء سلمنا، فأجمع رأيهم في بعض السنين على أن يظعنوا جميعاً، فظعنوا فماتوا، وصاروا عظاماً تبرق، فكنسهم أهل البيوت والطرق عن بيوتهم وطرقهم، فمر بهم نبي من الأنبياء، فقال: يا رب لو شئت أحييتهم، فعبدوك، وولدوا أولاداً يعبدونك ويعمرون بلادك. قال: أو أحب إليك أن أفعل؟ قال: نعم. فقيل له: تكلم بكذا وكذا، فتكلم به، فنظر إلى العظام تخرج من عند العظام التي ليست منها إلى التي هي منها ثم قيل له: تكلم بكذا وكذا فتكلم به فنظر إلى العظام تكسى لحماً وعصباً، ثم قيل له: تكلم بكذا وكذا، فنظر فاذا هم قعود يسبحون الله ويقدسونه. وأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية. وهذا الحديث يدل على بعد المدة التي مكثوا فيها أمواتاً. وفي بعض الأحاديث: أنهم بقوا أمواتاً سبعة أيام، وقيل: ثمانية أيام. وفي النبي الذي دعا لهم قولان: أحدهما: أنه حزقيل. والثاني: أنه شمعون. فإن قيل كيف أُميت هؤلاء مرتين في الدنيا، وقد قال الله تعالى: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى «١»، فالجواب أن موتهم بالعقوبة لم يفن أعمارهم، فكان كقوله تعالى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها «٢»، وقيل: كان إحياؤهم آية من آيات نبيهم، وآيات الأنبياء نوادر لا يقاس عليها، فيكون تقدير قوله تعالى: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى التي ليست من آيات الأنبياء، ولا لأمر نادر. وفي هذه القصة احتجاج على اليهود إذ أخبرهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأمر لم يشاهدوه، وهم يعلمون صحته واحتجاج على المنكرين للبعث، فدلهم عليه بإحياء الموتى في الدنيا، ذكر ذلك جميعه ابن الأنباري.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ، نبّه عزّ وجلّ بذكر فضله على هؤلاء على فضله على سائر خلقه مع قلّة شكرهم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٤]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤)
قوله تعالى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ في المخاطَبين بهذا قولان: أحدهما: أنهم الذين أماتهم الله، ثم أحياهم، قاله الضحّاك. والثاني: أنه خطاب لأمّة محمد صلّى الله عليه وسلّم، فمعناه: لا تهربوا من الموت كما هرب هؤلاء، فما ينفعكم الهرب وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوالكم عَلِيمٌ بما تنطوي عليه ضمائركم.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٥]
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٤٥)
قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ، قال الزجاج: أصل القرض ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازى عليه، وأصله في اللغة القطع، ومنه أخذ المقراض. فمعنى أقرضته: قطعت له قطعة يجازيني عليها. فإن قيل: فما وجه تسمية الصدقة قرضاً؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن القرض يبدل بالجزاء. والثاني: لأنه يتأخر قضاؤه إلى يوم القيامة. والثالث: لتأكيد استحقاق الثواب به، إذ لا يكون قرض إلا والعوض مستحق به. فأما اليهود فإنهم جهلوا هذا، فقالوا: أيستقرض الله منا؟ وأما المسلمون فوثقوا بوعد الله، وبادروا إلى معاملته. قال ابن مسعود:
(٢) الزمر: ٤٢.

(١٣١) لما نزلت هذه الآية، قال أبو الدحداح: وإن الله تعالى ليريد منا القرض؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
«نعم». قال: أرني يدك. قال: إني أقرضت ربي حائطي، قال: وحائطه فيه ستمائة نخلة، ثم جاء إلى الحائط، فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط، فقد أقرضته ربي.
وفي معنى القرض الحسن ستة أقوال: أحدها: أنه الخالص لله، قاله الضحاك. والثاني: أن يخرج عن طيب نفس، قاله مقاتل. والثالث: أن يكون حلالا، قاله ابن المبارك. والرابع: أن يحتسب عند الله ثوابه. والخامس: أن لا يتبعه منّا ولا أذى. والسادس: أن يكون من خيار المال. قوله تعالى:
فَيُضاعِفَهُ لَهُ قرأ أبو عمرو فيضاعفه بألف مع رفع الفاء، وكذلك في جميع القرآن، إلا في الأحزاب «يضعف لها العذاب ضعفين»، وقرأ نافع، وحمزة، والكسائيّ، جميع ذلك بالألف مع رفع الفاء، وقرأ ابن كثير (فيضعفه) برفع الفاء من غير ألف في جميع القرآن، وقرأ ابن عامر (فيضعفه) بغير ألف مشددة في جميع القرآن، ووافقه عاصم على نصب الفاء في «فيضاعفه» إلا أنه أثبت الألف في جميع القرآن.
قال أبو عليّ: للرفع وجهان: أحدهما: أن يعطفه على ما في الصّلة، وهو يقرض. والثاني: أن يستأنفه. ومن نصب حمل الكلام على المعنى، لأن المعنى: أيكون قرض؟ فحمل عليه «فيضاعفه»، وقال: معنى ضاعف وضعّف واحد، والمضاعفة: الزّيادة على الشيء حتى يصير مثلين أو أكثر. وفي الأضعاف الكثيرة قولان:
أحدهما: أنها لا يحصى عددها، قاله ابن عباس والسّدّيّ.
حسن. أخرجه أبو يعلى ٤٩٨٦ والبزار ٩٤٤ «كشف» والطبري ٥٦٢٣ والطبراني ٢٢/ ٣٠١ والبيهقي في «الشعب» ٣٤٥٢ كلهم من طريق حميد بن عطاء الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود به. وإسناده ضعيف لضعف حميد بن عطاء. وقال الهيثمي في «المجمع» ٣/ ١١٤: فيه حميد بن عطاء وهو ضعيف.
- وله شاهد من مرسل زيد بن أسلم: أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٣٠٧ والطبري ٥٦٢١ من طريقه عن معمر به، وهذا مرسل صحيح، ليس له علة إلّا الإرسال، لكن يصلح شاهدا لما قبله. ووصله ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» ١/ ٢٩٩ من وجه آخر عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر. وإسناده واه لأجل عبد الرحمن. وهو عند الطبراني في «الأوسط» ١٨٨٧ من طريق عبد الرحمن، وعنه إسماعيل بن قيس الأنصاري، وهو متروك.
- وله شاهد من مرسل قتادة، أخرجه الطبري ٥٦٢٢ مختصرا، ولم يسم الصحابي.
- وله شاهد صحيح من حديث أنس: أخرجه أحمد ٣/ ٤٦ وابن حبان ٧١٥٩. وإسناده صحيح على شرط مسلم. وليس فيه ذكر الآية. وأصله عند مسلم ٩٦٥ من حديث جابر بن سمرة، وليس فيه ذكر القصة.
- الخلاصة: حديث الباب حسن بشاهده المرسل. وأما أصله وهو بشارة أبي الدحداح من النبي صلّى الله عليه وسلّم وكذا قصته مع امرأته فصحيح.
لم أقف على هذا اللفظ، وهو منكر، والأشبه أنه موضوع إذ لا يستدعي الأمر إخراج ما في فم الأولاد الصغار، وبكل حال لم أقف له على إسناد، وهذا ما يعبر عنه أهل الحديث بقولهم: ليس له أصل.
- والمحفوظ ما قبله.
__________
(١) في «القاموس» العذق: النخلة بحملها، وبالكسر «العذق» القنو منها. ورداح: ثقيل.