آيات من القرآن الكريم

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ

من مال الدنيا وجاهها والهجرة من الأوطان وسكانها والتنقل في البلاد لصحبة خواص العباد ومقاساة الشدائد في طلب الفوائد فالله تعالى يبذل له إحسانه ويزيل عنه احزانه ويجبر كسر قلبه بمتعة (انا عند المنكسرة قلوبهم من اجلى) فيكون للطالب الملهوف متاع بالمعروف من نيل المعروف كذلك يظهر الله لكم آياته اصناف الطافه وأوصاف أعطافه لعلكم تعقلون بانوار الطافه كمالات أوصافه كذا في التأويلات النجمية فالعاقل لا ينظر الى الدنيا واعراضها بل يعبر عن منافعها وأغراضها ويقاسى الشدائد في طريق الحق الى ان يصل الى الذات المطلق- يحكى- عن شقيقى البلخي انه لم يجد طعاما ثلاثة ايام وكان مشتغلا بالعبادة فلما ضعف عن العبادة رفع يده الى السماء وقال يا رب أطعمني فلما فرغ من الدعاء التفت فرأى شخصا ينظر اليه فلما التفت اليه سلم عليه وقال يا شيخ تعال معى فقام شقيق وذهب معه فادخله ذلك الرحل في بيت فرأى فيه ألواحا موضوعة عليها ألوان الاطعمة وعند الخوان غلمان وجوارى فاكل والرجل قائم فلما فرغ أراد ان يخرج شقيق من ذلك البيت فقال له الرجل الى اين يا شيخ فقال الى المسجد فقال ما اسمك قال شقيق فقال يا شقيق اعلم ان هذه الدار دارك والعبيد عبيدك وانا عبدك كنت عبدا لابيك بعثني الى التجارة فرجعت الآن وقد توفى أبوك فالدار وما فيها لك قال شقيق ان كان العبيد لى فهم أحرار لوجه الله وان كانت الأموال لى وهبتها لكم فاقتسموها بينكم فانى لا أريد شيأ يمنعنى عن العبادة: قال السعدي

تعلق حجابست وبي حاصلى چو پيوندها بكسلى وأصلي
والدنيا علاقة خصوصا هذا الزمان زمان الفتنة والشرور فالراقد فيه خير من اليقظان- حكى- ان سليمان عليه السلام اتى بشراب الجنة فقيل له لو شربت هذا لا تموت فتشاور مع حشمه الا القنفذ قالوا بأجمعهم اشرب ثم أرسل الفرس والبازي الى القنفذ يدعوانه فلم يجبهما ثم أرسل اليه الكلب فاجابه فقال له سليمان لم لم تجب الفرس والبازي قال انهما جافيان لان الفرس يعدو بالعدو كما يعدو بصاحبه والبازي يطيع غير صاحبه كما يطيع صاحبه واما الكلب فانه ذو وفاء حتى انه لو طرده صاحبه من الدار يرجع اليه ثانيا فقال لهء أشرب هذا الشراب قال لا تشرب لانه يطول عمرك في السجن فالموت في العز خير من العيش في السجن
بهمه حال اسيرى كه ز بندى برهد بهترش دان ز اميرى كه كرفتار آيد
فقال له سليمان أحسنت وامر باهراقة في البحر فعذب ماء ذلك البحر
نزود من الدنيا فانك راحل وبادر فان الموت لا شك نازل
وان امرأ قد عاش سبعين حجة ولم يتزود للمعاد لجاهل
ودنياك ظل فاترك الحرص بعد ما علمت فان الظل لا بد زائل
قال السعدي قدس سره
كه اندر نعمتى مغرور غافل كهى از تنك دستى خسته وريش
چودر سرا وضرا حالت اينست ندانم كى بحق پروازى از خويش
اللهم احفظنا من الموانع أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ جمع دار اى منازلهم وهذا

صفحة رقم 376

الخطاب وان كان بحسب الظاهر متوجها الى النبي عليه السلام الا انه من حيث المعنى متوجه الى جميع من سمع بقصتهم من اهل الكتاب وارباب التواريخ فمقتضى الظاهر ان يقال ألم تسمع قصتهم الا انه نزل سماعهم إياها منزلة رؤيتهم تنبيها على ظهورها واشتهارها عندهم فخوطبوا بألم تر وهو تعجيب من حال هؤلاء وتقرير اى حمل على الإقرار بما دخله النفي قال الامام الواحدي ومعنى الرؤية هاهنا رؤية القلب وهي بمعنى العلم انتهى فتعدية الرؤية بالى مع انها ادراك قلبى لتضمين معنى الوصول والانتهاء على معنى ألم ينته علمك إليهم قال العلماء كل ما وقع في القرآن ألم تر ولم يعاينه النبي عليه السلام فهو بهذا المعنى وفي التيسير وتحقيقه اعلم ذلك وفي الكواشي معناه الوجوب لان همزة الاستفهام إذا دخلت على النفي او على الاستفهام صار تقريرا او إيجابا والمعنى قد علمت خبر الذين خرجوا الآية قال ابن التمجيد في حواشيه لفظ ألم تر قد يخاطب به من تقدم علمه بالقصة وقد يخاطب به من لم يتقدم علمه بها فانه قد يقول الرجل لآخر ألم تر الى فلان أي شىء قال يريد تعريفه ابتداء فالمخاطبون به هاهنا اما من سمعها وعلمها قبل الخطاب به من اهل التواريخ فذكرهم وعجبهم واما من لم يسمعها فعرفهم وعجبهم وقيل الخطاب عام لكل من يتأتى منه الرؤية دلالة على شيوع القصة وشهرتها بحيث ينبغى لكل أحد ان يعلمها او يبصرها ويتعجب منها وَهُمْ أُلُوفٌ جمع الف الذي هو من جملة اسماء العدد واختلفوا في عدد مبلغهم والوجه من حيث اللفظ ان يكون عددهم أزيد من عشرة آلاف لان الألوف جمع الكثرة فلا يقال في عشرة آلاف فما دونها ألوف حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول له اى خرجوا من ديارهم خوفا من الموت فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ على لسان ملك وانما أسند اليه تعالى تخويفا وتهويلا لان قول القادر القهار والملك الجبار له شأن مُوتُوا التقدير فماتوا لاقتضاء قوله ثم أحياهم ذلك التقدير لان الاحياء يستدعى سبق الموت ثُمَّ أَحْياهُمْ اى أعادهم احياء ليستوفوا بقية أعمارهم وليعلموا ان لا فرار من القدر قال ابن العربي عقوبة لهم ثم أحياهم وميتة العقوبة بعدها حياة للاعتبار وميتة الاجل لا حياة بعدها وعن الحسن ايضا أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم ثم بعثهم الى بقية آجالهم وقصة هؤلاء ما ذكره اكثر اهل التفسير انهم كانوا قوما من بنى إسرائيل بقرية من قرى واسط يقال لها داوردان وقع بها الطاعون فذهب اشرافهم واغنياؤهم واقام سفلتهم وفقراءهم فهلك اكثر من بقي في القرية وسلم الذين خرجوا فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين بقوا أصحابنا كانوا احزم منا لو صنعنا كما صنعوا لبقينا كما بقوا ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن الى ارض لا وباء بها فوقع الطاعون من العام القابل فهرب عامة أهلها فخرجوا حتى نزلوا واديا افيح بين جبلين فلما نزلوا المكان الذي يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي وملك آخر من أعلاه ان موتوا فماتوا جميعا من غير علة بامر الله ومشيئته وماتت دوابهم كموت رجل واحد فاتت عليهم ثمانية ايام حتى انتفخوا وأروحت أجسادهم اى أنتنت فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فاحدقوا حولهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها فاتت على ذلك مدة وقد بليت أجسادهم وعريت عظامهم فمر عليهم نبى يقال له حزقيل بن يوزى ثالث خلفاء بنى إسرائيل بعد موسى عليه السلام وذلك

صفحة رقم 377

قال السعدي قدس سره

قضا كشتى آنجا كه خواهد برد وكر ناخدا جامه بر تن درد
در آبى كه پيدا نباشد كنار غرور شناور نيايد بكار
واعلم ان ما كان من القضاء حتما مقضيا لا ينفعه شىء كما قال عليه السلام (الحذر لا ينفع من القدر) واما المعلق فتنفعه الصدقة وأمثالها كما قال عليه السلام (الصدقة والصلة تعمران الديار وتزيدان في الأعمار) قال بعض المحققين ان المقدرات على ضربين ضرب يختص بالكليات وضرب يختص بالجزئيات التفصيلية فالكليات المختصة بالإنسان ما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام انها محصورة في اربعة أشياء العمر والرزق والاجل والسعادة او الشقاوة وهي لا تقبل التغير فالدعاء فيها لا يفيد كصلة الرحم الا بطريق الفرض بمعنى ان لصلة الرحم مثلا من الأثر في الخير ما لو أمكن ان يبسط في رزق الواصل ويؤخر في اجله بها لكان ذلك ويجوز فرض المحال إذا تعلق بذلك حكمة قال تعالى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ واما الجزئيات ولوازمها التفصيلية فقد يكون ظهور بعضها وحصوله للانسان متوقفا على اسباب وشروط ربما كان الدعاء او الكسب والسعى والتعمد من جملتها بمعنى انه لم يقدر حصوله بدون ذلك الشرط- حكى- ان قصارا مر على عيسى عليه السلام مع جماعة من الحواريين فقال لهم عيسى احضروا جنازة هذا الرجل وقت الظهر فلم يمت فنزل جبريل فقال ألم تخبرني بموت هذا القصار فقال نعم ولكن تصدق بعد ذلك بثلاثة ارغفة فنجا من الموت وقد سبق منا في الجزء الاول عند قوله تعالى فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ما يتعلق بالطاعون والفرار منه فليرجع اليه قال الامام القشيري في قوله تعالى وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية يعنى ان مسكم ألم فتصاعد منكم أنين فاعلموا ان الله سميع بأنينكم عليم بأحوالكم والآية توجب عليهم تسهيل ما يقاسونه من الألم قال قائلهم
إذا ما تمنى الناس روحا وراحة تمنيت ان أشكو إليك وتسمع
انتهى كلامه قدس سره اللهم اجعلنا من الذين يفرون الى جنابك ويميلون مَنْ استفهام للتحريض على التصدق مبتدأ ذَا اشارة الى المقرض خبر المبتدأ اى من هذا الَّذِي صفة ذا او بدل منه يُقْرِضُ اللَّهَ اصل القرض القطع سمى به لان المعطى يقرضه اى يقطعه من ماله فيدفعه اليه ليرجع اليه مثله من الثواب واقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه قَرْضاً مصدر ليقرض بمعنى اقراض كقوله تعالى أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً اى اقراضا حَسَناً اى مقرونا بالإخلاص وطيب النفس ويجوز ان يكون القرض بمعنى المقرض اى بمعنى المفعول على انه مفعول ثان ليقرض وحسنه ان يكون حلالا صافيا عن شوب حق الغير به وقيل القرض الحسن المجاهدة والانفاق في سبيل الله ومن انواع القرض قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر فَيُضاعِفَهُ لَهُ منصوب بإضمار ان عطفا على المصدر المفهوم من يقرض الله في المعنى فيكون مصدرا معطوفا على مصدر تقديره من ذا الذي يكون منه اقراض فمضاعفة من الله او منصوب على جواب الاستفهام في المعنى لان الاستفهام

صفحة رقم 379

وان وقع عن المقرض لفظا فهو عن الاقراض معنى كأنه قال أيقرض الله أحد فيضاعفه واصل التضعيف ان يزاد على الشيء مثله او أمثاله أَضْعافاً جمع ضعف حال من الهاء في يضاعفه كَثِيرَةً هذا قطع للاوهام عن مبلغ الحساب اى لا يعلم قدرها الا الله وقيل الواحد سبعمائة وحكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من الله تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وذكر الامام البيهقي ان التضعيفات فضل من الله تعالى لا يتعلق بها العباد كما لا يتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلا منه سبحانه فاذا دخل الجنة أثابه بها: قال السعدي

نكوكارى از مردم نيك رأى يكى را بده مى نويسد خداى
كرم كن كه فردا كه ديوان نهند منازل بمقدار احسان تهند
ولما حثهم على الإخراج سهل عليهم الاقراض واخبر انهم لا يمكنهم ذلك الا بتوفيقه فقال وَاللَّهُ يَقْبِضُ يقتر على بعض وَيَبْصُطُ يوسع على بعض او يقتر تارة ويوسع اخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وإذا علم العبد ذلك هان عليه الإعطاء لان الله تعالى هو الرزاق وهو الذي وسع عليه فهو يسأل منه ما أعطاه ولانه يخلفه عليه في الدنيا ويثيبه عليه في العقبى فكأن الله تعالى يقول إذا علمتم ان الله هو القابض والباسط وان ما عندكم انما هو من بسطه وإعطائه فلا تبخلوا عليه فاقرضوه وأنفقوا مما وسع عليكم واعطاكم ولا تعكسوا بان تبخلوا لئلا يعاملكم. مثل معاملتكم في التعكيس بان يقبض بعد ما بسط. ولعل تأخير البسط عن القبض في الذكر للايماء الى انه يعقبه في الوجود تسلية للفقراء قال الامام الغزالي في شرح الأسماء الحسنى القابض الباسط هو الذي يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح فى الأجساد عند الحياة ويقبض الصدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للضعفاء يبسط الرزق على الأغنياء حتى لا تبقى فاقة ويقبضه من الفقراء حتى لا تبقى طاقة ويقبض القلوب فيضيقها مما يكشف لها من قلة مبالاته وتعاليه وجلاله ويبسطها لما يقرب إليها من بره ولطفه وجماله والقابض الباسط من العباد من ألهم بدائع الحكم واوتى جوامع الكلم فتارة يبسط قلوب العباد بما يذكرهم من آلاء الله ونعمائه وتارة يقبضها بما ينذرهم به من جلال الله وكبريائه وفنون عذابه وبلائه وانتقامه من أعدائه كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قبض قلوب الصحابة عن الحرص على العبادة حيث ذكرهم ان الله يقول لآدم يوم القيامة ابعث بعث النار فيقول كم فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فانكسرت قلوبهم حتى فتروا عن العبادة فلما أصبح ورآهم على ما هم عليه من القبض والفتور روح قلوبهم وبسطها فذكر انهم في سائر الأمم كشامة سوداء في مسك ثور ابيض انتهى قال القشيري في رسالته القبض والبسط حالتان بقدر ترقى العبد عن حال الخوف والرجاء والقبض للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على ما قدمتم من الأعمال خيرا وشرا على الجود بالجنة وعلى البخل بالنار وهو وعد ووعيد او هو تنبيه على ان الغنى لمفارق ماله بالموت فليبادر الى الانفاق قبل الفوت واجتمع جماعة من الأغنياء والفقراء فقال غنى ان الله تعالى

صفحة رقم 380
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية