آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜ

وما خليج من المروت ذو حدب يرمي الصعيد بخشب الأيك والضال
والضمير في قوله وَإِنَّهُما يحتمل أن يعود على المدينتين اللتين تقدم ذكرهما: مدينة قوم لوط، ومدينة أصحاب الأيكة، ويحتمل أن يعود للنبيين: على لوط وشعيب، أي أنهما على طريق من الله وشرع مبين. و «الإمام» في كلام العرب الشيء الذي يهتدى به ويؤتم، يقولونه لخيط البناء، وقد يكون الطريق، وقد يكون الكتاب المفيد، وقد يكون القياس الذي يعمل عليه الصناع، وقد يكون الرجل المقتدى به، ونحو هذا، ومن رأى عود الضمير في إِنَّهُما على المدينتين قال «الإمام» الطريق، وقيل على ذلك «الإمام» الكتاب الذي سبق فيه إهلاكهما، وأَصْحابُ الْحِجْرِ هم ثمود، وقد تقدم قصصهم، والْحِجْرِ مدينتهم، وهي ما بين المدينة وتبوك، وقال الْمُرْسَلِينَ من حيث يجب بتكذيب رسول واحد تكذيب الجميع، إذ القول في المعتقدات واحد للرسل أجمع، فهذه العبارة أشنع على المكذبين، و «الآية» التي آتاهم الله هي الناقة وما اشتملت عليه من خرق العادة حسبما تقدم تفسيره وبسطه، وقرأ أبو حيوة «وآتيناهم آيتنا» مفردة، وقوله تعالى: وَكانُوا يَنْحِتُونَ الآية، يصف قوم صالح بشدة النظر للدنيا والتكسب منها فذكر من ذلك مثالا أن بيوتهم كانوا ينحتونها في حجر الجبال، و «النحت» النقر بالمعاول ونحوها في الحجارة والعود ونحوه، وقرأ جمهور الناس «ينحتون» بكسر الحاء، وقرأ الحسن «ينحتون» بفتحها، وذلك لأجل حرف الحلق، وهي قراءة أبي حيوة، وقوله آمِنِينَ قيل معناه من انهدامها، وقيل من حوادث الدنيا، وقيل من الموت لاغترارهم بطول الأعمال.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله ضعيف، وأصح ما يظهر في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة. فكانوا لا يعملون بحسبها، بل كانوا يعملون بحسب الأمن منها، ومعنى مُصْبِحِينَ أي عند دخولهم في الصباح، وذكر أن ذلك كان يوم سبت، وقد تقدم قصص عذابهم وميعادهم وتغير ألوانهم، ولم تغن عنهم شدة نظرهم للدنيا وتكسبهم شيئا، ولا دفع عذاب الله، وما الأولى تحتمل النفي وتحتمل التقرير، والثانية مصدرية، وقوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ الآية، المراد أن هؤلاء المكتسبين للدنيا الذين لم يغن عنهم اكتسابهم ليسوا في شيء، فإن السماوات والأرض وجميع الأشياء لم تخلق عبثا ولا سدى، ولا لتكون طاعة الله كما فعل هؤلاء ونظراؤهم، وإنما خلقت بالحق ولواجب مراد وأغراض لها نهايات من عذاب أو تنعيم وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ على جميع أمور الدنيا، أي فلا تهتم يا محمد بأعمال قومك فإن الجزاء لهم بالمرصاد، فَاصْفَحِ عن أعمالهم، أي ولّها صفحة عنقك بالإعراض عنها، وأكد الصفح بنعت الجمال إذ المراد منه أن يكون لا عتب فيه ولا تعرض.
وهذه الآية تقتضي مداهنة، ونسخها في آية السيف قاله قتادة، ثم تلاه في آخر الآية بأن الله تعالى يخلق من شاء لما شاء ويعلم تعالى وجه الحكمة في ذلك لا هذه الأوثان التي يعبدونها، وقرأ جمهور الناس «الخلاق»، وقرأ الأعمش والجحدري «الخالق».
قوله عز وجل:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٨٧ الى ٩٣]
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)
فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)

صفحة رقم 372

قال ابن عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وابن جبير: «السبع» هنا هي السبع الطوال البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والمص والأنفال مع براءة، وقال ابن جبير: بل السابعة يونس وليست الأنفال وبراءة منها، والْمَثانِي على قول هؤلاء: القرآن كما قال تعالى: كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ [الزمر: ٢٣]، وسمي بذلك لأن القصص والأخبار تثنى فيه وتردد، وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس أيضا وابن مسعود والحسن وابن أبي مليكة وعبيد بن عمير وجماعة: «السبع» هنا هي آيات الحمد، قال ابن عباس: هي سبع: ببسم الله الرحمن الرحيم، وقال غيره هي سبع دون البسملة، وروي في هذا حديث أبي بن كعب ونصه: قال أبيّ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أعلمك يا أبيّ سورة لم تنزل في التوراة والإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها»، قلت: بلى، قال: «إني لأرجو أن لا تخرج من ذلك الباب حتى تعلمها»، فقام رسول الله وقمت معه ويدي في يده وجعلت أبطىء في المشي مخافة أن أخرج، فلما دنوت من باب المسجد، قلت: يا رسول الله، السورة التي وعدتنيها؟ فقال: «كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة» ؟ قال: فقرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الفاتحة: ١] حتى كملت فاتحة الكتاب، فقال: «هي هي، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيت»، كذا أو نحوه ذكره مالك في الموطأ، وهو مروي في البخاري ومسلم عن أبي سعيد بن المعلى أيضا، وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ «إنها السبع المثاني، وأم القرآن، وفاتحة الكتاب» وفي كتاب الزهراوي: وليس فيها بسملة، والْمَثانِي على قول هؤلاء يحتمل أن يكون القرآن، ف مِنَ للتبعيض، وقالت فرقة: بل أراد الحمد نفسها كما قال الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: ٣٠] ف مِنَ لبيان الجنس، وسميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل سميت بذلك لأنها يثنى بها على الله تعالى، جوزه الزجاج.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا القول من جهة التصريف نظر، وقال ابن عباس: سميت بذلك لأن الله تعالى استثناها لهذه الأمة ولم يعطها لغيرها، وقال نحوه ابن أبي مليكة، وقرأت فرقة «والقرآن» بالخفض عطفا على الْمَثانِي وقرأت فرقة «والقرآن» بالنصب عطفا على قوله سَبْعاً، وقال زياد بن أبي مريم:
المراد بقوله وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً أي سبع معان من القرآن خولناك فيها شرف المنزلة في الدنيا والآخرة وهي: مر، وانه، وبشر، وأنذر، واضرب الأمثال، واعدد النعم، واقصص الغيوب، وقال أبو العالية «السبع المثاني» هي آية فاتحة الكتاب، ولقد نزلت هذه السورة وما نزل من السبع الطوال شيء، وقوله لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية، حكى الطبري، عن سفيان بن عيينة أنه قال هذه الآية أمر بالاستغناء بكتاب الله عن جميع زينة الدنيا، وهي ناظرة إلى قوله عليه السلام: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» أي يستغني به.

صفحة رقم 373

قال القاضي أبو محمد: فكأنه قال: ولقد آتيناك عظيما خطيرا فلا تنظر إلى غير ذلك من أمور الدنيا وزينتها التي متعنا بها أنواعا من هؤلاء الكفرة، ومن هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم صغيرا، وصغر عظيما» وكأن «مد العين» يقترن به تمنّ، ولذلك عبر عن الميل إلى زينة الدنيا ب «مد العين» و «الأزواج» هنا الأنواع والأشباه، وقوله وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي لا تتأسف لكفرهم وهلاكهم، واصرف وجه تحفيك إلى من آمن بك وَاخْفِضْ لهم جَناحَكَ وهذه استعارة بمعنى لين جناحك ووطئ أكنافك. «والجناح» الجانب والجنب، ومنه وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ [طه: ٢٢] فهو أمر بالميل إليهم، والجنوح الميل، وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ، أي تمسك بهذا القدر العظيم الذي وهبناك، والكاف من قوله كَما متعلقة بفعل محذوف تقديره، وقل إني أنا النذير المبين عذابا كالذي أنزلنا على المقتسمين، فالكاف اسم في موضع نصب.
قال القاضي أبو محمد: هذا قول المفسرين، وهو عندي غير صحيح لأن كَما ليس مما يقوله محمد عليه السلام بل هو من قول الله تعالى له فينفصل الكلام، وإنما يترتب هذا القول بأن نقدر أن الله تعالى قال له تنذر عذابا كما، والذي أقول في هذا المعنى: وقل أنا النذير كما قال قبلك رسلنا وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك، ويحتمل أن يكون المعنى وقل أنا النذير كما قد أنزلنا قبل في الكتب أنك ستأتي نذيرا، وهذا على أن الْمُقْتَسِمِينَ أهل الكتاب، واختلف الناس في الْمُقْتَسِمِينَ من هم؟ فقال ابن زيد: هم قوم صالح الذين اقتسموا السيئات فالمقتسمون على هذا من القسم.
قال القاضي أبو محمد: ويقلق هذا التأويل مع قوله الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: «المقتسمون» هم أهل الكتاب الذين فرقوا دينهم، وجعلوا كتاب الله أعضاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقال نحوه مجاهد، وقالت فرقة: «المقتسمون» هم من كفار قريش الذين اقتسموا الطرق وقت الموسم ليعرفوا الناس بحال محمد عليه السلام، وجعلوا القرآن سحرا وشعرا وكهانة فعضهوه بهذا وعضوه أعضاء بهذا التقسيم، وقال عكرمة: «المقتسمون» هم قوم كانوا يستهزئون بسور القرآن فيقول الرجل منهم هذه السورة لي، ويقول الآخر وهذه لي، وقوله عِضِينَ مفعول ثان وجعل بمعنى صير، أي بألسنتهم ودعواهم، وأظهر ما فيه أنه جمع عضة، وهي الفرقة من الشيء والجماعة من الناس كثبة وثبين وعزة وعزين، وأصلها عضهة وثبوة فالياء والنون عوض من المحذوف، كما قالوا سنة وسنون، إذ أصلها سنهة، وقال ابن عباس وغيره: عِضِينَ مأخوذ من الأعضاء أي عضوة فجعلوه أعضاء مقسما، ومن ذلك قول الراجز:
وليس دين الله بالمعضى وهذا هو اختيار أبي عبيدة، وقال قتادة: عِضِينَ مأخوذ من العضة وهو السب المفحش، فقريش عضهوا كتاب الله بقولهم: هو شعر، هو سحر، هو كهانة، وهذا هو اختيار الكسائي، وقالت فرقة:
عِضِينَ جمع عضة وهي اسم للسحر خاصة بلغة قريش، ومنه قول الراجز:
للماء من عضتهن زمزمة.
وقال هذا قول عكرمة مولى ابن عباس، وقال العضة السحر، وهم يقولون للساحرة العاضهة، وفي الحديث «لعن الله العاضهة والمستعضهة»، وهذا هو اختيار الفراء.

صفحة رقم 374
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية