آيات من القرآن الكريم

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ

ومعنى شخوص البصر حدّة النظر، وعدم استقراره في مكانه، واللام في قوله: ﴿لِيَوْمٍ﴾ تعليل للنهي؛ أي: لا يؤخر عذابهم إلا لأجل يوم هائل. وقيل: بمعنى إلى التي للغاية. وقرأ طلحة بن مصرف شذوذًا (١): ﴿ولا تحسب﴾ بغير نون التوكيد، وكذا: ﴿فلا تحسب الله مخلف وعده رسله﴾. وقرأ عبد الرحمن السلمي والحسن والأعرج والمفضل عن عاصم وعباس بن الفضل وهارون العتكي ويونس بن حبيب عن أبي عمرو شذوذًا أيضًا: ﴿نؤخرهم﴾ بنون العظمة، والجمهور بالياء؛ أي: إنما يؤخرهم الله سبحانه وتعالى، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ﴾،
٤٣ - وقوله: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ حال مقدرة من مفعول ﴿يُؤَخِّرُهُمْ﴾؛ أي: يؤخرهم إلى يوم تشخص فيه الأبصار حالة كونهم مهطعين في ذلك اليوم؛ أي: مسرعين إلى الداعي وإجابته ومقبلين عليه بالخوف والذل والخضوع، كإسراع الأسير والخائف والداعي للخلائق هو إسرافيل حيث يدعو إلى الحشر. وعبارة المحلي في سورة ق: ﴿وَاسْتَمِعْ﴾ يا مخاطب ﴿يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ﴾ وهو إسرافيل ﴿مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ من السماء، وهو صخرة بيت المقدس أقرب موضع من الأرض إلى السماء يقول: أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة: إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. اهـ. وحالة كونهم ﴿مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾؛ أي: رافعيها إلى السماء مع إدامة النظر إليها من غير التفات إلى شيء ولا ينظر أحد إلى أحد ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾؛ أي: لا يرجع إليهم تحريك أجفانهم، كما كانوا يفعلون في الدنيا في كل لحظة، بل تبقى أعينهم مفتوحة لا تطرف؛ أي: لا تضم من شد الفزع والخوف. وقال في "الكواشي": أصل الطرف تحريك الجفون في النظر، ثم سميت العين طرفًا مجازًا.
والمعنى: أنهم لا يلتفتون ولا ينظرون مواقع أقدامهم لما بهم من الدهشة انتهى. ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ﴾؛ أي: قلوبهم ﴿هَوَاءٌ﴾؛ أي: صفر خالية من العقل والفهم؛ لفرط الحيرة والدهشة، كأنها نفس الهواء الخالي عن كل شاغل، والهواء (٢): الخلاء الذي لم تشغله الأجرام، فوصف به، فقيل: قلب فلان هواء إذا كان جبانًا

(١) البحر المحيط.
(٢) النسفي.

صفحة رقم 445
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
الناشر
دار طوق النجاة، بيروت - لبنان
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية