
وَقَوله ﴿مهطعين﴾ الْأَكْثَرُونَ أَن مَعْنَاهُ مُسْرِعين، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يحيى الثَّعْلَب: الإهطاع هُوَ النّظر فِي (الذل والخضوع). وَقيل: مهطعين أَي: مديمي النّظر لَا يطرفون. وَمعنى الْإِسْرَاع الَّذِي ذكرنَا هُوَ أَنهم لَا يلتفتون يَمِينا وَلَا شمالا، وَلَا يعْرفُونَ مَوَاطِن أَقْدَامهم، وَلَيْسَ لَهُم همة وَلَا نظر إِلَى مَا يساقون إِلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿مقنعي رُءُوسهم﴾ يُقَال: أقنع رَأسه أَي: رَفعه، وأقنع رَأسه إِذْ خفضه، فَإِن كَانَ المُرَاد هُوَ الرّفْع فَمَعْنَاه: أَن أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء ينظرُونَ مَاذَا يرد عَلَيْهِم من الله تَعَالَى، وَإِن حمل الْإِقْنَاع على خفض الرَّأْس فَمَعْنَاه: مطرقون ناكسون، قَالَ الشَّاعِر:
(نغض رَأْسِي نَحوه وأقنعا | كَأَنَّمَا يطْلب شَيْئا أطمعا) |

﴿رُءُوسهم لَا يرْتَد إِلَيْهِم طرفهم وأفئدتهم هَوَاء (٤٣) وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب فَيَقُول الَّذين ظلمُوا رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل أَو لم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مَا لكم من زَوَال (٤٤) وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم﴾
وَقَوله ﴿لَا يرْتَد إِلَيْهِم طرفهم﴾ يَعْنِي: لَا يرجع إِلَيْهِم طرفهم، فَكَأَنَّهُ ذهلهم مَا بَين أَيْديهم فَلَا ينظرُونَ لشَيْء سواهُ.
وَقَوله: ﴿وأفئدتهم هَوَاء﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: متخرقة لَا تعي شَيْئا، وَقَالَ قَتَادَة: خرجت قُلُوبهم عَن صُدُورهمْ حَتَّى بلغت الْحَنَاجِر من شدَّة ذَلِك الْيَوْم وهوله فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر﴾، فعلى هَذَا قَوْله: ﴿وأفئدتهم هَوَاء﴾ أَي: خَالِيَة، وَمِنْه سمي الجو هَوَاء لخلوه، وَقيل: خَالِيَة عَن الْعُقُول؛ فَكَأَنَّهَا ذهبت من الْفَزع وَالْخَوْف.
وَقَالَ سعيد بن جُبَير: " وأفئدتهم هَوَاء " أَي: مترددة لَا تَسْتَقِر فِي مَكَان، وَقيل: هَوَاء أَي: متخربة من الْجُبْن والفزع. قَالَ حسان بن ثَابت:
(أَلا أبلغ أَبَا سُفْيَان عني | فَأَنت مجوف نخب هَوَاء) |