آيات من القرآن الكريم

مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ
ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ

الثناء على الله تعالى بأنه علام الغيوب، وإلى حمده على هباته، وهذه من الآيات المعلمة أن علم الله تعالى بالأشياء هو على التفصيل التام.
وروي في قوله: عَلَى الْكِبَرِ أنه لما ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبعة عشر عاما، وروي أقل من هذا، وإِسْماعِيلَ أسنّ من إِسْحاقَ، فيما روي، وبحسب ترتيب هذه الآية- وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: بشر إبراهيم وهو ابن مائة وسبعة عشر عاما.
وقوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ، دعا إبراهيم عليه السلام في أمر كان مثابرا عليه متمسكا به، ومتى دعا الإنسان في مثل هذا فإنما القصد إدامة ذلك الأمر واستمراره.
وقرأ طلحة والأعمش «دعا ربنا» بغير ياء. وقرأ أبو عمرو وابن كثير «دعائي» بياء ساكنة في الوصل، وأثبتها بعضهم دون الوقف في الوصل. وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بغير ياء في وصل ولا وقف.
وروى ورش عن نافع: إثبات الياء في الوصل، وقرأت فرقة «ولوالديّ» واختلف في تأويل ذلك، وقالت فرقة: كان هذا من إبراهيم قبل يأسه من إيمان أبيه وتبينه أنه عدو لله، فأراد أباه وأمه، لأنها كانت مؤمنة، وقيل: أراد آدم ونوحا عليهما السلام. وقرأ سعيد بن جبير «ولولدي» بإفراد الأب وحده، وهذا يدخله ما تقدم من التأويلات، وقرأ الزهري وإبراهيم النخعي «ولولديّ» على أنه دعاء لإسماعيل وإسحاق، وأنكرها عاصم الجحدري، وقال إن في مصحف أبيّ بن كعب «ولأبوي»، وقرأ يحيى بن يعمر «ولولدي» بضم الواو وسكون اللام، والولد لغة في الولد، ومنه قول الشاعر- أنشده أبو علي وغيره: [الطويل]

فليت زيادا كان في بطن أمّه وليت زيادا كان ولد حمار
ويحتمل أن يكون الولد جمع ولد كأسد في جمع أسد.
وقوله: يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ معناه يوم يقوم الناس للحساب، فأسند القيام للحساب إيجازا، إذ المعنى مفهوم.
قال القاضي أبو محمد: ويتوجه أن يريد قيام الحساب نفسه، ويكون القيام بمعنى ظهوره وتلبس العباد بين يدي الله به، كما تقول: قامت السوق وقامت الصلاة، وقامت الحرب على ساق.
قوله عز وجل:
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)
هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظالمين، وتسلية للمظلومين، والخطاب بقوله: تَحْسَبَنَّ لمحمد

صفحة رقم 343

عليه السلام، والمراد بالنهي غيره ممن يليق به أن يحسب مثل هذا.
وقرأ طلحة بن مصرف «ولا تحسب الله غافلا» بإسقاط النون، وكذلك «ولا تحسب الله مخلف وعده» [إبراهيم: ٤٧] وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن والأعرج: «نؤخرهم» بنون العظمة. وقرأ الجمهور:
«يؤخرهم» بالياء، أي الله تعالى.
وتَشْخَصُ معناه: تحد النظر لفزع ولفرط ذلك بشخص المحتضر، و «المهطع» المسرع في مشيه- قاله ابن جبير وقتادة.
قال القاضي أبو محمد: وذلك بذلة واستكانة، كإسراع الأسير والخائف ونحوه- وهذا هو أرجح الأقوال- وقد توصف الإبل بالإهطاع على معنى الإسراع وقلما يكون إسراعها إلا مع خوف السوط ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر: [الكامل]

بمهطع سرج كأن عنانه في رأس جذع من أوال مشذب
ومن ذلك قول عمران بن حطان: [البسيط]
إذا دعانا فأهطعنا لدعوته داع سميع فلونا وساقونا
ومنه قول ابن مفرغ: [الوافر]
بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع
ومن ذلك قول الآخر: [الطويل]
بمستهطع رسل كأن جديله بقيدوم رعد من صوام ممنع
وقال ابن عباس وأبو الضحى: الإهطاع شدة النظر من غير أن يطرف وقال ابن زيد «المهطع» : الذي لا يرفع رأسه. قال أبو عبيدة: وقد يكون الإهطاع الوجهين جميعا الإسراع وإدامة النظر، و «المقنع» هو الذي يرفع رأسه قدما بوجهه نحو الشيء، ومن ذلك قول الشاعر: [الشماخ] [الوافر]
يباكرن العضاه بمقنعات نواجذهن كالحدأ الوقيع
يصف الإبل بالإقناع عند رعيها أعالي الشجر.
وقال الحسن في تفسير هذه الآية: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد. وذكر المبرد- فيما حكي عن مكي- أن الإقناع يوجد في كلام العرب بمعنى خفض الرأس من الذلة.
قال القاضي أبو محمد: والأول أشهر.
وقوله: لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أي لا يطرفون من الحذر والجزع وشدة الحال، وقوله: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فرغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة، فهي منخرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، ويحتمل أن يكون

صفحة رقم 344
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية