
وقرأ يحيى بن يعمر، والنخعي: ﴿رَبَّنَا اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ يعني: إسماعيل، وإسحاق.
وقرأ ابن جبير: " ولوالدي " يعني أباه وجده.
قوله: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً﴾ - إلى قوله - ﴿لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال﴾:
المعنى: ولا تحسبن الله يا محمد ساهياً عن عمل هؤلاء المشركين من قومك. بل هو عالم بهم، يحصي عليهم جميع أعمالهم، ليجازيهم عليها.
وهذه الآية " وعيد للظالم / وتعزية للمظلوم ".
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار﴾: أي: إنما يؤخر عقابهم

ليوم القيامة، يوم تشخص فيه أبصار الظالمين. فلا ترتد إليهم.
ثم قال تعالى: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾.
قال قتادة: مهطعين: مسرعين.
وقال ابن جبير، عن قتادة: " مهطعين منطلقين، عامدين إلى الداعي.
وقال ابن عباس ( C) : مهطعين: مديمي النظر، من غير أن تطرف أبصارهم. وقاله مجاهد.
وقال ابن زيد: المهطع: الذي لا يرفع رأسه، والإهطاع في كلام العرب: الإسراع.

وقال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة: الإقناع: رفع الرؤوس.
وأصل الأهطاع: الإقبال على الشيء بالنظر، ينظر دائماً، لا يرفع بصره، ولا يطرف. وهو بمعنى قول مجاهد، والضحاك، وهو قول الخليل: ودليله قوله:
﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾: أي: يديمون النظر، لا يطرفون.
قال الحسن: " وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد - إلى أحد. والمقنع في اللغة: الرافع رأسه.
حكى أبو العباس: أقنع إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأ رأٍه ذلاً وخضوعاً. فتحتمل الآية القولين جميعاً. قال: ويجوز أن يرفع رأسه مديماً للنظر، ثم يطأطأه ذُلاّ وخضوعاً.
ومن الارتفاع قيل: مقنعة للتي يجعلها النساء على رؤوسهن، لارتفاعها

على الرأس. ومنه قنع الرجل إذا رضي، لأنه رفع نفسه على السؤال، وقنع إذا سأل، أي: أتا ما يتقنع منه.
ثم قال تعالى: ﴿لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾: والمعنى عند ابن عباس رضي الله عنهـ: " لا ترجع إليهم لشدة النظر أبصارهم ": أي: هي شاخصة. ومعنى: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾: أي: منحرفة، لا تعي من الخير شيئاً، قاله ابن عباس. كما تقول: ليس في البيت شيء، إنما هو هواء.
قال ابن عباس: وليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة.
وقال ابن زيد: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾ الأفئدة: القلوب ليس فيها عقل، ولا

منفعة.
وقيل: معناه: لا تستقر في مكان، فر ترتد في أجوافهم.
قال ابن جبير: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾: " تمور في أجوافهم، ليس لها مكان تستقر فيه ".
وقال الضحاك: ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ﴾ معناه: " ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم "، وقاله السدي.
قال قتادة: " انتزعت حتى صارت في حناجرهم، لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أمكنتها.
وأصل الهواء في اللغة: المجوف الخال (ي).
ثم قال تعالى لنبيه ﷺ: ﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب﴾، والمعنى: وأنذر الناس الذين أرسلت إليهم يا محمد ﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب﴾: وهو يوم القيامة.

" فاليوم ": مفعول به، بأنذر ولا يحسن أن يكون نصبه على الظرف، لأن الإنذار لا يكون يوم القيامة، إنما هو / في الدنيا فافهمه، وله نظائر كثيرة في القرآن.
ثم قال تعالى: ﴿فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾.
قال محمد بن كعب القرظي، C: بلغني أن (أهل) النار ينادون:
﴿رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل﴾ فرد عليهم: ﴿أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ﴾ - إلى قوله - ﴿لِتَزُولَ مِنْهُ الجبال﴾.
وقوله: ﴿أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ﴾: هذا تقريع من الله ( تعالى) للمشركين من قريش. أعلمنا أنه يقال لهم بعد أن دخلوا النار بإنكارهم البعث في الدنيا، إذ سألوا رفع العذاب (عنهم)، وتأخيرهم لينيبوا، أو يتوبوا.
﴿أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ﴾ أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، وإنكم إنما تموتون، ولا تبعثون.

وهذا القسم الذي حكى الله ( تعالى)، عنهم هنا ما هو حكى الله (سبحانه) عنهم أنهم قسموا في قوله: ﴿وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ﴾ [النحل: ٣٨]. قاله ابن جريج.
ثم قال جل ذكره حكاية عما يقول للمشركين في الآخرة:
﴿وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُمْ﴾: أي: سكنتم في الدنيا في مساكن الأمم، الذين أهلكوا بظلمهم لأنفسهم، فلم تعتبروا بهم، ولا اتعظتم.
ومعنى ﴿ظلموا أَنفُسَهُمْ﴾: أي: " كفروا بالله (سبحانه)، فظلموا بذلك أنفسهم.
﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾: أي: أعلمتم كيف أهلكناهم حين كفروا بربهم.

﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأمثال﴾: أي: مثلنا لكم ما كنتم عليه من الشرك، فلم تتوبوا من كفركم، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم العذاب.
قال قتادة: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُمْ﴾: أي، اسكن الناس في مساكن قوم نوح، وعاد، وثمود.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ الله مَكْرُهُمْ﴾.
قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنهـ: أخذ الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين فرباهما، حتى استعجلا واستغلظا وشبا. ثم أوثق رجل كل واحد منهما في وتد إلى تابوت، وجوعهما، وقعد هو ورجل آخر في التابوت. ورفع من التابوت عصاً على رأسها لحم، فطارا بالتوابوت، وجعل يقول لصاحبه: انظر ماذا ترى؟ فيقول: أرى كذا، وكذا، حتى قال: أرى الدنيا كأنها ذباب. فقال له: صوب العصا، فصوبها فهبطا: فهو مكرهم الذي أرادت الجبال أن تزول منه.

وروي أن الذي فعل ذلك بالنسور بختنصر. فلما ارتفعت به النسور نودي: أيها الطاغية أين تريد؟ ففزع، وصوب الرمح الذي فيه اللحم، فصوبت النسور: فكادت الجبال أن تزول لذلك.
وقال ابن جبير: هو نمرود.
وقيل: مكرهم هنا، هو شركهم بالله سبحانه، وافتراؤهم عليه. روي ذلك أيضاً عن ابن عباس.
وقال الضحاك هو كقوله ﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً﴾ [مريم ٨٨ - ٨٩]- الآية -.

ومن كسر اللام في " لتزول منه " جعل إن بمعنى: ما. أي: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. واللام لام النفي. وهذا مروي عن الحسن ( C) ومثله عنده: ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤]: أي: فما كنت في شك. ومثله: ﴿قُلْ إِن كَانَ للرحمن وَلَدٌ﴾ [الزخرف: ٨١]: أي: ما كان.
(فيكون معنى القراءة عندهم أضعف)، وأوهن من أن تزول منه الجبال، ويدل على صحة قوله إن كيد الشيطان كان ضعيفاً.
ومن فتح اللام جعلها لام تأكيد، ومعناه: إنه عظم مكرهم وكبرهم. فأخبر