القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عز وجل عنهن =
* * *
وكان مكرهنَّ ما: -
١٩١٦٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (فلما سمعت بمكرهن)، يقول: بقولهن.
١٩١٦٥ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما أظهر النساء ذلك، من قولهن": تراود عبدها! " مكرًا بها لتريهن يوسف، وكان يوصف لهن بحُسنه وجماله ; (فلما سمعت بمكرهن (١) أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ).
١٩١٦٦ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فلما سمعت بمكرهن) : ، أي بحديثهن، (= أرسلت إليهن)، يقول: أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف.
* * *
(وأعتدت)، "أفعلت" من العتاد، وهو العدَّة، (٢) ومعناه: أعدّت لهن ="متكأ"، يعني: مجلسًا للطعام، وما يتكئن عليه من النمارق والوَسائد:
* * *
= وهو"مفتعل" من قول القائل:"اتَّكأت"، يقال:"ألق له مُتَّكأ"، يعني: ما يتكئ عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩١٦٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد: (وأعتدت لهن متكأ) قال: طعامًا وشرابًا ومتكأ.
١٩١٦٨ -.... قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: يتكئن عليه.
(٢) انظر تفسير" أعتد" فيما سلف ٨: ١٠٣، ٣٥٥ / ٩: ٣٥٣، ٣٩٢.
١٩١٦٩ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية عن علي، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: مجلسًا.
١٩١٧٠ -.... قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي الأشهب، عن الحسن أنه كان يقرأ: (مُتَّكَآءً)، ويقول: هو المجلس والطعام. (١)
١٩١٧١ -.... قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد: من قرأ:"مُتْكَأً"، خفيفة، يعني طعامًا. ومن قرأ (مُتَّكَأً)، يعني المتكأ.
* * *
فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه تأويل هذه الكلمة، هو معنى الكلمة، وتأويل"المتكأ"، وأنها أعدّت للنسوة مجلسًا فيه متكأ وطعام وشراب وأترج. ثم فسر بعضهم"المتكأ" بأنه الطعام على وجه الخبر عن الذي أعدّ من أجله المتكأ = وبعضهم عن الخبر عن الأترج. إذ كان في الكلام: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، لأن السكين إنما تعد للأترج وما أشبهه مما يقطع به = وبعضهم على البزماورد.
١٩١٧٢ - حدثني هارون بن حاتم المقرئ، قال: حدثنا هشيم بن الزبرقان، عن أبي روق، عن الضحاك، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: البزماورد.
* * *
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى:"المتكأ": هو النُّمْرُق يتكأ عليه. وقال: زعم قوم أنه الأترج. قال: وهذا أبطل باطل في الأرض، ولكن عسى أن يكون مع"المتكأ" أترج يأكلونه. (٢)
* * *
وَأَنْتَ مِنَ الغَوَائِل حَيْثُ تُرْمَى | ومِنْ ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنْتَزَاحِ |
(٢) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣٠٩.
وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة، ثم قال: والفقهاء أعلم بالتأويل منه. ثم قال: ولعله بعضُ ما ذهب من كلام العرب، فإنّ الكسائي كان يقول: قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله.
* * *
قال أبو جعفر: والقول في أن الفقهاء أعلم بالتأويل من أبي عبيدة، كما قال أبو عبيد لا شك فيه، غير أن أبا عبيدة لم يُبْعد من الصواب في هذا القول، بل القول كما قال: مِن أن مَن قال للمتكأ: هو الأترج، إنما بيَّن المعدَّ في المجلس الذي فيه المتكأ، والذي من أجله أعطين السكاكين، لأن السكاكين معلومٌ أنها لا تعدُّ للمتكأ إلا لتخريقه! (١) ولم يعطين السكاكين لذلك.
* * *
ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، من أن"المتكأ" هو المجلس.
ثم رُوي عن مجاهد عنه، ما: -
١٩١٧٣ - حدثني به سليمان بن عبد الجبار، قال، حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، قال: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكّينًا.
* * *
فبيّن ابن عباس في رواية مجاهد هذه، ما أعطت النسوة، وأعرض عن ذكر بيان معنى"المتكأ"، إذ كان معلومًا معناه.
* * *
* ذكر من قال في تأويل"المتكأ" ما ذكرنا:
١٩١٧٤ - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: التُّرُنْج.
١٩١٧٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيم،
عن عوف، قال: حدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها:"مُتْكًا" مخففة، ويقول: هو الأترُجّ.
١٩١٧٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية:"وأعتدت لهن متكأ"، قال الطعام.
١٩١٧٧ - حدثني يعقوب والحسن بن محمد، قالا حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٧٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، مثله.
١٩١٧٩ - حدثنا ابن بشار وابن وكيع، قالا حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: (وأعتدت لهن مُتَّكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٨٠ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، نحوه.
١٩١٨١ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ (مُتَّكَأ) فهو الطعام، ومن قرأها"مُتْكًأ" فخففها، فهو الأترجّ.
١٩١٨٢- حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (متكأ)، قال: طعامًا
١٩١٨٣- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩١٨٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
١٩١٨٥ - وحدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩١٨٦ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو خالد القرشي، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: من قرأ:"مُتْكًا"، خفيفة، فهو الأترجّ.
١٩١٨٧ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، بنحوه.
١٩١٨٨ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن ليث، قال سمعت بعضهم يقول: الأترج.
١٩١٨٩ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وأعتدت لهن متكأ) : ، أي طعامًا.
١٩١٩٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
١٩١٩١ -.... قال: حدثنا يزيد، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: (متكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٩٢ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكًا)، يعني الأترج.
١٩١٩٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وأعتدت لهن متكأ)، والمتكأ، الطعام.
١٩١٩٤ -.... قال: حدثنا جرير عن ليث، عن مجاهد: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: الطعام.
١٩١٩٥ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وأعتدت لهن متكأ)، قال: طعامًا.
١٩١٩٦ - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مُتَّكَأً)، فهو كل شيء يجزّ بالسكين.
* * *
قال أبو جعفر: قال الله تعالى ذكره، مخبرًا عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدَّثن بشأنها في المدينة: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، يعني بذلك جل ثناؤه: وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها، سكينًا لتقطع به من الطعام ما تقطع به. وذلك ما ذكرت أنَّها آتتهن إما من الأترج، وإما من البزماورد، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين، كما:-
١٩١٩٧ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، وأترجًّا يأكلنه.
١٩١٩٨ - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، قال: أعطتهن أترجًّا، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا.
١٩١٩٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وآتت كل واحدة منهن سكينًا)، ليحتززن به من طعامهنّ.
١٩٢٠٠ - حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وآتت كل واحدة منهن سكينا)، وأعطتهن تُرنجًا وعسلا فكن يحززن الترنج بالسكين، ويأكلن بالعسل.
* * *
قال أبو جعفر: وفي هذه الكلمة بيانُ صحة ما قلنا واخترنا في قوله
(١) (وأعتدت لهن متكأ). وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوةَ السكاكينَ، وترك ما لَهُ آتتهن السكاكين، إذ كان معلومًا أن السكاكين لا تدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل إذا قطع بها. فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين، عن ذكر ما له آتتهن ذلك. فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهنّ المتكأ، عن ذكر ما يعتدُّ له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء ; لفهم السامعين بالمراد من ذلك، ودلالة قوله: (وأعتدت لهن متكأ)، عليه. فأما نفس"المتكأ" فهو ما وصفنا خاصةً دون غيره.
* * *
وقوله: (وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه)، يقول تعالى ذكره: وقالت امرأة العزيز ليوسف: (اخرج عليهن)، فخرج عليهن يوسف = (فلما رأينه أكبرنه)، يقول جل ثناؤه: فلما رأين يوسف أعظمنه وأجللْنه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٠١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أكبرنه)، أعظمنه.
١٩٢٠٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
١٩٢٠٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح. قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٩٢٠٤ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (فلما رأينه أكبرنه) : ، أي: أعظمنه.
١٩٢٠٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وقالت اخرج عليهن)، ليوسف = (فلما رأينه أكبرنه) : ، عظَّمنه.
١٩٢٠٦ - حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي، قال: حدثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول في قوله: (فلما رأينه أكبرنه)، قال: أعظمنه. (١)
١٩٢٠٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (اخرج عليهن)، فخرج، فلما رأينه أعظمنه وبُهِتن.
١٩٢٠٨ - حدثنا إسماعيل بن سيف. قال: حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي، عن أبيه، عن جده، في قوله: (فلما رأينه أكبرنه)، قال: حِضْن. (٢)
١٩٢٠٩ - حدثنا علي بن داود، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: (فلما رأينه أكبرنه)، يقول: أعظمنه.
١٩٢١٠ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول = أعني القول الذي روي عن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده، في معنى (أكبرنه)، أنه حِضْن = إن لم يكن عَنَى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف وإعظامهن لما كان الله قسم له من البهاء والجمال، ولما يجد من مثل ذلك النساءُ عند معاينتهن إياه = فقولٌ لا معنى له. لأن
و" علي بن عابس الأسدي"، ضعيف، مضى برقم: ١١٢٣٣.
(٢) الأثر: ١٩٢٠٨ -" إسماعيل بن سيف العجلي"، انظر رقم: ١٩٢٠٦
و" عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي"، كان أميرًا بمكة، وذكره العقيلي في الضعفاء. مترجم في ميزان الاعتدال ٢: ١٣٢، ولسان الميزان ٤: ٢١.
تأويل ذلك: فلما رأين يوسف أكبرنه، فالهاء التي في"أكبرنه"، من ذكر يوسف، ولا شك أن من المحال أن يحضنَ يوسف. ولكن الخبر، إن كان صحيحًا عن ابن عباس على ما روي، فخليقٌ أن يكون كان معناه في ذلك أنهن حضن لِمَا أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك.
* * *
وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في"أكبرن" بمعنى حضن، بيتًا لا أحسب أنَّ له أصلا لأنه ليس بالمعروف عند الرواة، وذلك:
نَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلا | نَأْتِي النِّسَاءَ إِذَا أَكْبَرْنَ إِكْبَارَا (١) |
* * *
وقوله: (وقطعن أيديهن)، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم: معناه: أنهن حَززن بالسكين في أيديهن، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترُجّ.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢١١ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وقطعن أيديهن)، حزًّا حزًّا بالسكين.
١٩٢١٢ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقطعن أيديهن)، قال: حزًّا حزًّا بالسكاكين.
(٢) ذكر أبو منصور الأزهري، عن أبي الهيثم أنه قال:" سألت رجلا من طيئ فقلت: يا أخا طيئ، ألك زوجة؟ قال: لا والله ما تزوجت، وقد وعدت في ابنة عم لي. قلت: ما سنها؟ قال: قد أكبرت = أو: كبرت = قلت: ما أكبرت؟ قال: حاضت". قال: الأزهري:" وإن صحت هذه اللفظة في اللغة بمعنى الحيض، فلها مخرج حسن. وذلك أن المرأة أول ما تحيض فقد خرجت من حد الصغر إلى حد الكبر، فقيل لها: أكبرت، أي: حاضت فدخلت في حد الكبر الموجب عليها الأمر والنهي.
١٩٢١٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد =
١٩٢١٤ -.... قال: وحدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقطعن أيديهن)، قال: حزًّا حزًّا بالسكين.
١٩٢١٥ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (وقطعن أيديهن) قال: جعل النسوة يحززن أيديهن، يحسبن أنهن يقطعن الأترج.
١٩٢١٦ - حدثنا إسماعيل بن سيف، قال: حدثنا علي بن عابس، قال: سمعت السدي يقول: كانت في أيديهن سكاكين مع الأترج، فقطعن أيديهنّ، وسالت الدماء، فقلن: نحن نلومك على حبّ هذا الرجل، ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء!
١٩٢١٧ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: جعلن يحززن أيديهن بالسكين، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج، قد ذهبت عقولهن مما رأين!
١٩٢١٨ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقطعن أيديهن)، وحززن أيديهن.
١٩٢١٩ - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: جعلن يقطعن أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج.
١٩٢٢٠ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وقطعن أيديهن)، قال: جعلن يحززن أيديهن، ولا يشعرن بذلك.
١٩٢٢١ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت ليوسف: (اخرج عليهن)، فخرج عليهن = (فلما رأينه أكبرنه)، وغلبت عقولهن عجبًا حين رأينه، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن، ما يعقلن شيئًا مما يصنعن = (وقلن حاش لله ما هذا بشرًا).
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهن قطعن أيديهن حتى أبنَّها، وهن لا يشعرن.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٢٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينَها.
١٩٢٢٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (وقطعن أيديهن)، قال: قطعن أيديهن حتى ألقينها.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عنهن أنهن قطَّعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف، وجائز أن يكون ذلك قطعًا بإبانة = وجائز أن يكون كان قطع حزّ وخدش = ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل.
* * *
١٩٢٢٤ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. (١)
١٩٢٢٥ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، مثله.
١٩٢٢٦ -.... وبه عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن.
١٩٢٢٧ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق.
١٩٢٢٨ - حدثني أحمد بن ثابت، وعبد الله بن محمد الرازيّان، قالا حدثنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرنا ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطي يوسف وأمه شَطْرَ الحسن (١).
١٩٢٢٩ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أبي معاذ، عن يونس، عن الحسن، أن النبي ﷺ قال: أعطي يوسف وأمه ثلث
و" عبد الله بن محمد الرازي"، شيخ الطبري، لم أعرفه، وفي التاريخ:" حدثني عبد الله بن محمد، وأحمد بن ثابت الشيان.."، ولا أدري ما هذا؟
و" عفان"، هو" عفان بن مسلم الصفار"، ثقة من شيوخ أحمد والبخاري، مضى برقم: ٥٣٩٢، أخرج له الجماعة.
و" حماد بن سلمة"، ثقة، مضى مرارًا.
و" ثابت" هو" ثابت بن أسلم الناني" تابعي ثقة، مضى مرارًا.
وهذا خبر صحيح الإسناد، ولا يضره كذب" أحمد بن ثابت"، فالثقات قد رووه، رواه أحمد في مسنده ٣: ٢٨٦، عن عفان نفسه، بهذا اللفظ.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٥٧٠، من طريق محمد بن إسحاق الصغاني، ومحمد بن غالب بن حرب، وإسحاق بن الحسن بن ميمون، جميعًا عن عفان بن مسلم. بمثله، وقال:" هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
ورواه الطبري في تاريخه من هذا الطريق نفسه ١: ١٧٣.
حُسن أهل الدنيا، وأعطي الناس الثلثين = أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين، وأعطي الناس الثلث.
١٩٢٣٠ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع ; وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي =، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن، والنصف الآخر بين سائر الخلق.
١٩٢٣١ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين: فقسم ليوسف وأمه النصف، والنصف لسائر الناس.
١٩٢٣٢ - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي، قال: قسم الحسن نصفين، فجعل ليوسف وسارَة النصف، وجعل لسائر الخلق نصف. (١)
١٩٢٣٣ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عيسى بن يزيد، عن الحسن: أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا، وأعطي الناس الثلثين.
* * *
وقوله: (وقلن حاش لله)، اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الكوفيين: (حَاشَ لِلّهِ) بفتح الشين وحذف الياء.
* * *
وقرأه بعض البصريين بإثبات الياء"حَاشَى لله".
* * *
وفيه لغات لم يقرأ بها:"حَاشَى اللهِ"، كما قال الشاعر: (١)
حَاشَى أَبِي ثَوْبَانَ إِنَّ بِهِ | ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ وَالشَّتْمِ (٢) |
وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة:"حَشَى اللهَ"، و"حاشْ اللهَ"، (٣) بتسكين الشين والألف، يجمع بين الساكنين.
* * *
وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين، فمن قرأ: (حَاشَ لله) بفتح الشين وإسقاط الياء، فإنه أراد لغة من قال:"حاشى لله"، بإثبات الياء، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب، كما حذفت العرب الألف من قولهم:"لا أب لغيرك"، و"لا أب لشانيك"، وهم يعنون:"لا أبا لغيرك". و"لا أبا لشانيك".
* * *
(٢) المفضليات ٧١٨، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٣١٠، والخزانة ٢: ١٥٠، والعيني (بهامش الخزانة) ٤: ١٢٩، واللسان (حشى) في موضعين، بروايتين، وهو من شعر له هجا فيه بني رواحه بن قطيعة بن عبس، ويستثنى منهم عمرو بن عبد الله أبا ثوبان، يقول:
وَبَنُو رَوَاحَةَ يَنْظُرُونَ إذَا | نَظَرَ النَّدِيُّ بِآنُفٍ خُثْمِ |
حَاشَا أبِي ثَوْبَانَ إنّ أبَا | ثَوْبَان لَيْسَ بِبُكْمَةٍ فَدْمِ |
عَمْرُو بنَ عَبْدِ اللهِ إنَّ بِهِ | ضَنًّا عَنِ المَلْحَاةِ والشَّتْمِ |
و" الندى" المجلس، واراد أهله. و" الآنف" جمع" أنف"،" الخثم" جمع" أخثم"، وهو الأنف العظيم الكثير اللحم، ليس برقيق ولا أشم، وهو ذم.
و" البكمة"، الأبكم، و" الفدم" العيي الثقيل الفهم. و" الملحاة" مصدر ميمي من" لحوت الرجل ولحيته"، إذا ألححت عليه باللائمة، وكأنه يعني المشاغبة.
(٣) في المطبوعة، أسقط" حشى الله"، وأثبتها منها.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم:"حاشى لله"، موضعين في الكلام:
أحدهما: التنزيه.
والآخر: الاستثناء. وهو في هذا الموضع عندنا بمعنى التنزيه لله، كأنه قيل: معاذ الله.
* * *
قال أبو جعفر: وأما القول في قراءة ذلك. فإنه يقال: للقارئ الخيار في قراءته بأي القراءتين شاء، إن شاء بقراءة الكوفيين، وإن شاء بقراءة البصريين، وهو: (حَاشَ لله) و"حَاشَى لله"، لأنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بمعنى واحد، وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها، لأنا لا نعلم قارئًا قرأ بها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٩٢٣٤ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقلن حاش لله)، قال: معاذ الله.
١٩٢٣٥ - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (حاش لله)، معاذ الله.
١٩٢٣٦ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وقلن حاش لله) : معاذ الله.
١٩٢٣٧ - حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (حاش لله) : معاذ الله.
١٩٢٣٨ -.... قال: حدثنا عبد الوهاب، عن عمرو، عن الحسن: (حاش لله) : معاذ الله.
١٩٢٣٩ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا يحيى، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
وقوله: (ما هذا بشرًا)، يقول: قلن ما هذا بشرًا، لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحدًا، فقلن: لو كان من البشر، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر، ولكنه من الملائكة لا من البشر، كما:-
١٩٢٤٠ - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وقلن حاش لله ما هذا بشرا) : ما هكذا تكون البشر!
* * *
وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار. وقد: -
١٩٢٤١ - حدثت عن يحيى بن زياد الفراء، قال: حدثني دعامة بن رجاء التيمي = وكان غَزَّاءً (١) = عن أبي الحويرث الحنفي أنه قرأ:"ما هذا بِشِرًى"، أي ما هذا بمشتري. (٢)
* * *
= يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثلُه مستعبدًا يشترى ويُبَاع.
* * *
قال أبو جعفر: وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها، لإجماع قرأة الأمصار على خلافها. وقد بينا أن ما أجمعت عليه، فغير جائز خلافُها فيه.
* * *
وأما"نصب" البشر، فمن لغة أهل الحجاز إذا أسقطوا"الباء" من الخبر نصبوه، فقالوا:"ما عمرو قائمًا". وأما أهل نجد، فإن من لغتهم رفعه، يقولون:"ما عمرو قائم" ; ومنه قول بعضهم حيث يقول:
(٢) الأثر: ١٩٢٤١ - هو في معاني القرآن للفراء في تفسير الآية.