
(فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا... (٣١)
لما سمعت بأقوالهن اللائي يروونها أرسلت إليهن، (وَأَعْتَدَتْ) أي هيأت (لَهُنَّ مُتَّكَأً)، أي أقامت لهن وليمة أو نحو ذلك، وسمي متكئا تسمية للشيء باسم مكانه، وهي تصور التنعم الذي كانت فيه، (وَآتَتْ) وأعطت (كُل وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا)، ولعل ذلك كان موجب الوليمة أو ما يشبهها.
وسمَّت قولهن مكرا؛ لأنهن كن يُشِعْنَهُ، وكأنه تدبير السوء، ولأن بعضهن علمته من جانبها فما كتمن لها سرا، ولأنهن كن يوجهن اللوم إليها، ويتبادلن ذلك، وكأنه أمر يدبر، ولذا سمي مكرا.
وبعد أن تهيأ المجلس، قالت ليوسف اخرج عليهن (وَقَالَت اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ).
خرج عليهن، يتلألأ فيه نور الحق، الجمال الذي كساه الله إياه، فأخذ أبصارهن وقلوبهن، وحسهن، فقلن: (حَاشَ لِلَّهِ) أي تنزيها له عن فعل البشر، وقوله (لِلَّهِ)، لأنه هو الذي نزهه وكرمه، أو قلن كلمة التنزيه، لأنه خلق مثل هذا الملاك الكريم.

و (أَكْبَرْنَهُ)، أي جعلنه في موضع الإكبار والشرف، ولذهولهن من الروعة التي تبدَّى بها جرحن أيديهن، وعبر سبحانه عن الجرح بالقطع، لأن الجرح كان بليغا، ولأن الجرح في حد ذاته قطع لبعض البشرة، وقلن تلك الكلمة المعبرة عما في نفوسهم: (مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) بهرهن حتى ارتفعت مرتبة الإنسانية إلى مرتبة الملكية. فـ (إِنْ) هنا هي النافية أي ما هو إلا ملك كريم.
التفتت امرأة العزيز إليهن، وقد رأت الجروح تسيل بالدم من أيديهن، وما اعترى نفوسهن من إكبار له، واستهواء حتى حسبنه ملكا كريما، وليس إنسانا من الطين.