آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

قوله تعالى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا المعنى: يا يوسف أعرض. وفي القائل له هذا قولان:
أحدهما: أنه ابن عمها وهو الشاهد، قاله ابن عباس. والثاني: أنه الزوج، ذكره جماعة من المفسرين.
قال ابن عباس: أَعرضْ عن هذا الأمر فلا تذكره لأحد، واكتمه عليها. وروى الحلبيّ عن عبد الوارث:
«يوسف أعرَضَ عن هذا» بفتح الراء على الخبر.
قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ فيه قولان: أحدهما: استعفي زوجك لئلا يعاقبَكِ، قاله ابن عباس. والثاني: توبي من ذنبكِ فإِنكِ قد أثمتِ.
وفي القائل لهذا قولان: أحدهما: ابن عمها. والثاني: الزوج.
قوله تعالى: إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ يعني: من المذنبين. قال المفسرون: ثم شاع ذلك الحديث في مصر حتى تحدَّث بذلك النساء، وهو قوله: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ، وفي عددهن قولان: أحدهما: أنهن كن أربعاً: امرأة ساقي الملك، وامرأة صاحب دواته، وامرأة خبَّازه، وامرأة صاحب سجنه، قاله ابن عباس. والثاني: أنهن خمس: امرأة الخبَّاز، وامرأة الساقي، وامرأة السجَّان، وامرأة صاحب الدواة، وامرأة الآذن، قاله مقاتل.
وأما العزيز، فهو بلغتهم الملك، والفتى بمعنى العبد. قال الزجاج: كانوا يسمون المملوك فتى.
وإِنما تكلم النسوة في حقها، طعناً فيها، وتحقيقاً لبراءة يوسف.
قوله تعالى: قَدْ شَغَفَها حُبًّا أي: بلغ حبُّه شَغاف قلبها. وفي الشَّغاف أربعة أقوال: أحدها: أنه جلدةٌ بين القلب والفؤاد، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أنه غلاف القلب، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة: ولم يُرِدِ الغلاف، إِنما أراد القلب، يقال: شغفت فلاناً: إِذا أصبت شغافه، كما يقال: كبدته:
إِذا أصبت كبده، وبطنته: إِذا أصبت بطنه. والثالث: أنه حَبَّة القلب وسويداؤه. والرابع: أنه داءٌ يكون في الجوف في الشراسيف، وأنشدوا:

وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُوْنَ ذَلِكَ دَاخِلٌ دُخُوْلَ الشَّغافِ تَبْتَغِيْهِ الأَصَابِعُ «١»
ذكر القولين الزجاج. وقال الأصمعي: الشَّغاف عند العرب: داءٌ يكون تحت الشراسيف في الجانب الأيمن من البطن، والشَّراسيف: مقاطّ رؤوس الأضلاع، واحدها: شُرسوف. وقرأ عبد الله بن عمرو، وعلي بن الحسين، والحسن البصري، ومجاهد، وابن محيصن، وابن أبي عبلة «قد شعفها» بالعين، قال الفراء: كأنه ذهب بها كل مذهب، والشَّعَف: رؤوس الجبال.
قوله تعالى: إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي: عن طريق الرشد، لحبها إِياه. والمبين: الظّاهر.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢)
قوله تعالى: فَلَمَّا سَمِعَتْ يعني: امرأة العزيز بِمَكْرِهِنَّ وفيه قولان: أحدهما: أنه قولهنّ
(١) البيت للنابغة الذبياني انظر ديوانه ٧٩، وذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «شغف».

صفحة رقم 434

وعيبهن لها، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي، وابن قتيبة. قال الزجاج: وإِنما سمي هذا القول مكراً، لأنها كانت أطلعتهن على أمرها، واستكتمتهن، فمكرن وأفشين سرها. والثاني: أنه مكر حقيقة، وإِنما قلن ذلك مكراً بها لتريَهنّ يوسف، قاله ابن إِسحاق.
قوله تعالى: وَأَعْتَدَتْ قال الزجاج: أفعلت من العتاد، وكل ما اتخذته عُدَّةً لشيء فهو عتاد، والعتاد: الشيء الثابت اللازم. فأما المتكأ، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه المجلس فالمعنى: هيأت لهن مجلساً، قاله الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أنه الوسائد اللائي يتكئن عليها، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال الزجاج: المتكأ: ما يُتَّكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث. والثالث: أنه الطعام، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة. قال ابن قتيبة: يقال: اتكأنا عند فلان: إِذا طعمنا، قال جميل بن معمر:

فَظَلِلْنَا في نَعْمةٍ واتَّكأْنا وَشَرِبْنَا الحَلاَلَ مِنْ قُلَلِهْ «١»
والأصل في هذا أن من دَعَوْتَه ليطعم، أعددت له التُّكأة للمقام والطمأنينة، فسمي الطعام متَّكأً على الاستعارة. قال الأزهري: إِنما قيل للطعام: متكأ، لأن القوم إِذا قعدوا على الطعام اتكؤوا، ونُهيت هذه الأمة عن ذلك. وقرأ مجاهد «مُتْكاً» بإسكان التاء خفيفة، وفيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه الأُتْرُجّ، قاله ابن عباس ومجاهد ويحيى بن يعمر في آخرين، ومنه قول الشاعر:
وترى المُتْكَ بَيْنَنَا مُسْتَعَارَا «٢»
يريد: الأُتْرُجّ. والثاني: أنه الطعام أيضا، قاله عكرمة. والثالث: كل شيء يُحَزُّ بالسكاكين، قاله الضحاك. والرابع: أنه الزُّماورد، روي عن الضحاك أيضاً.
وقد روي عن جماعة أنهم فسروا المتَّكأَ بما فسروا به المُتك، فروي عن ابن جريج أنه قال:
المتَّكأُ: الأترج، وكل ما يُحَزُّ بالسكاكين. وعن الضحاك قال: المتَّكأُ: كل ما يُحَزُّ بالسكاكين. وفرق آخرون بين القراءتين، فقال مجاهد: من قرأ «متَّكَأً» بالتثقيل، فهو الطعام، ومن قرأ بالتخفيف، فهو الأُتْرُجُّ. قال ابن قتيبة: من قرأ «مُتْكاً» فإنه يريد الأترج، ويقال: الزُّماورد. وأياً ما كان، فإني لا أحسبه سمي مُتْكاً إِلا بالقطع، كأنه مأخوذ من البَتْك، فأبدلت الميم منه باءً، كما يقال: سَمَد رأسه وسَبَده: إِذا استأصله، وشر لازم، ولازب، والميم تبدل من الباء كثيراً، لقرب مخرجيها.
قوله تعالى: وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً إِنما فعلت ذلك، لأن الطعام الذي قدمتْ لهن يحتاج إِلى السكاكين. وقيل: كان مقصودها افتضاحهن بتقطيع أيديهن كما فضحنها. قال وهب بن منبه:
ناولت كل واحدة منهن أُتْرُجَّةً وسكيناً، وقالت لهن: لا تقطعن ولا تأكلن حتى أُعلمكن، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن. قال الزجاج: إِن شئت ضممت التاء من قوله: «وقالت»، وإِن شئت كسرت، والكسر الأصل لسكون التاء والخاء، ومن ضم التاء، فلثقل الضمة بعد الكسرة. ولم يمكنه أن لا يخرج، لأنه بمنزلة العبد لها. وذكر بعض أهل العلم أنها إِنما قالت: «اخرج» وأضمرت في نفسها «عليهن»، فأخبر الحق عما في النفس كأن اللسان قد نطق به، ومثله: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً
(١) في «اللسان» مادة «قلل» القلّة: الحبّ العظيم، وقيل: الجرة العظيمة، وقيل: الجرة عامة وقيل: الكوز الصغير، والجمع قلل وقلال، وقيل: هو إناء للعرب كالجرة الكبيرة.
(٢) هو عجز بيت وصدره: لنشرب الإثم بالصّواع جهارا. انظر «تفسير القرطبي» ٩/ ١٥٣.

صفحة رقم 435

وَلا شُكُوراً «١» لم يقولوا ذلك، إِنما أضمروه، ويدل على صحة هذا أنها لو قالت له وهو شاب مستحسَن: اخرج على نسوة من طبعهن الفتنة، ما فعل.
وفي قوله تعالى: أَكْبَرْنَهُ قولان: أحدهما: أَعْظَمْنَهُ، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة، وابن زيد. والثاني: حِضْنَ «٢»، رواه الضحاك عن ابن عباس. وروى عليّ بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: حضن من الفَرَح، قال: وفي ذلك يقول الشاعر:

نَأْتي النساءَ لدى أطهارهنّ ولا نأتي النساء إذا أكثرن إِكبارا «٣»
وقد روى هذا المعنى ليث عن مجاهد، واختاره ابن الأنباري، وردّه بعض اللغويين، فروي عن أبي عبيدة أنه قال: ليس في كلام العرب «أكبرن» بمعنى «حِضن»، ولكن عسى أن يكنّ من شدة ما أعظمنه حضن، وكذلك روي عن الزجاج أنه أنكره.
قوله تعالى: وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: حَزَزْنَ أيديَهن، وكن يحسبن أنهن يقطّعن طعاماً، قاله ابن عباس، وابن زيد. والثاني: قطّعن أيدَيهن حتى ألقينها، قاله مجاهد، وقتادة. والثالث:
كلَمن الأكُفَّ وأبنَّ الأنامل، قاله وهب بن منبّه.
قوله تعالى: وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ قرأ أبو عمرو «حاشا» بألف في الوصل في الموضعين، واتفقوا على حذف الألف في الوقف، وأبو عمرو جاء به على التمام والأصل، والباقون حذفوا. وهذه الكلمة تستعمل في موضعين. أحدهما: الاستثناء. والثاني: التبرئة من الشر. والأصل «حاشا» وهي مشتقة من قولك: كنت في حشا فلان، أي: في ناحيته. والحشا: الناحية، وأنشدوا:
بأيِّ الحَشَا أَمْسَى الخَلِيْطُ المُبَايِنُ «٤»
أي: بأي النواحي، والمعنى: صار يوسف في حشاً من أن يكون بشراً، لفرط جماله. وقيل:
صار في حشاً مما قرفته به امرأة العزيز. وقال ابن عباس، ومجاهد: «حاش لله» بمعنى: معاذ الله. قال الفراء: و «بشراً» منصوب، لأن الباء قد استعملت فيه، فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إِلا بالباء، فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه، فنصبوا على ذلك، وكذلك قوله: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ «٥»، وأما أهل نجد فيتكلمون بالباء وبغير الباء، فإذا أسقطوها، رفعوا، وهو أقوى الوجهين في العربية. قال الزّجّاج: قوله: الرّفع أقوى الوجهين، غلط، لأن كتاب الله أقوى اللغات، ولم يقرأ بالرفع أحد. وزعم الخليل، وسيبويه، وجميع النحويين القدماء أن «بشراً» منصوب، لأنه خبر «ما» و «ما» بمنزلة «ليس». قلت: وقد قرأ أبو المتوكّل، وأبو نهيك، وعكرمة، ومعاذ القارئ في آخرين: «ما هذا
(١) سورة الإنسان: ٩.
(٢) قال الإمام الطبري رحمه الله: ٧/ ٢٠٣: مرجحا القول الأول: لا شك أن المحال أن يحضن من يوسف، ولكن الخبر، إن كان صحيحا عن ابن عباس على ما روي فخليق أن يكون معناه في ذلك: أنهن حضن لما أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك.
ووافقه ابن كثير في تفسيره ٢/ ٥٨٧ بقوله: أكبرنه: أي أعظمن شأنه وأجللن قدره.
(٣) بيت مصنوع، وقائله مجهول، انظر تفسير الطبري والبحر المحيط. [.....]
(٤) ذكره ابن منظور في «اللسان»
مادة «حشا»، وعزاه إلى المعطّل الهذلي، وعنده- الحبيب- بدل- الخليط-.
(٥) سورة المجادلة: ٢.

صفحة رقم 436
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية