آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
ﯺﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ

الخبر، فمن حيث كان الخبر هنا في أَطْهَرُ ساغ القول بالفصل، ولما لم يستسغ ذلك أبو عمرو ولا سيبويه لحنا ابن مروان، وما كانا ليذهب عليهما ما ذكر أبو الفتح، و «الضيف» : مصدر يوصف به الواحد والجماعة والمذكر والمؤنث ثم وبخهم بقوله: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ أي يزعكم ويردكم.
وقوله تعالى: قالُوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ الآية، روي أن قوم لوط كانوا قد خطبوا بنات لوط فردهم، وكانت سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا، فلذلك قالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ.
قال القاضي أبو محمد: وبعد أن تكون هذه المخاطبة، فوجه الكلام: إنا ليس لنا إلى بناتك تعلق، ولا هم قصدنا ولا لنا عادة نطلبها في ذلك وقولهم: وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ، إشارة إلى الأضياف فلما رأى استمرارهم في غيهم وغلبتهم وضعفه عنهم قال- على جهة التفجع والاستكانة- لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً وأَنَّ في موضع رفع بفعل مضمر تقديره: لو اتفق أو وقع ونحو هذا، - وهذا مطرد في «أن» التابعة ل «لو» - وجواب لَوْ محذوف وحذف مثل هذا أبلغ، لأنه يدع السامعين ينتهي إلى أبعد تخيلاته، والمعنى لفعلت كذا وكذا.
وقرأ جمهور: «أو آوي» بسكون الياء، وقرأ شيبة وأبو جعفر: «أو آوي» بالنصب، التقدير أو أن آوي، فتكون «أن» مع «آوي» بتأويل المصدر، كما قالت ميسون بنت بحدل:
للبس عباءة وتقر عيني...
ويكون ترتيب الكلام لو أن لي بكم قوة أو أويا، و «أوى» معناه: لجأ وانضوى، ومراد لوط عليه السّلام بال رُكْنٍ العشيرة والمنعة بالكثرة، وبلغ به قبيح فعلهم إلى هذا- مع علمه بما عند الله تعالى-، فيروى أن الملائكة وجدت عليه حين قال هذه الكلمات، وقالوا: إن ركنك لشديد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله لوطا لقد كان يأوي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فالعجب منه لما استكان.
قال القاضي أبو محمد: وهذا نقد لأن لفظ بهذه الألفاظ، وإلا فحالة النبي ﷺ وقت طرح سلا الجزور ومع أهل الطائف وفي غير ما موطن تقتضي مقالة لوط لكن محمدا ﷺ لم ينطق بشيء من ذلك عزامة منه ونجدة، وإنما خشي لوط أن يمهل الله أولئك العصابة حتى يعصوه في الأضياف كما أمهلهم فيما قبل ذلك من معاصيهم، فتمنى ركنا من البشر يعاجلهم به، وهو يعلم أن الله تعالى من وراء عقابهم، وروي أن رسول الله ﷺ قال: «لم يبعث الله تعالى بعد لوط نبيا إلا في ثروة من قومه»
أي في منعة وعزة.
قوله عز وجل:
[سورة هود (١١) : آية ٨١]
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١)
الضمير في قالُوا ضمير الملائكة، ويروى أن لوطا لما غلبوه وهموا بكسر الباب وهو يمسكه قالت

صفحة رقم 195

له الرسل: تنح عن الباب، فتنحى وانفتح الباب فضربهم جبريل عليه السّلام بجناحه فطمس أعينهم وعموا، وانصرفوا على أعقابهم يقولون: النجاء النجاء، فعند لوط قوم سحرة، وتوعدوا لوطا، ففزع حينئذ من وعيدهم، فحينئذ قالوا له: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ فأمن، ذكر هذا النقاش وفي تفسير غيره ما يقتضي أن قولهم: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ كان قبل طمس العيون، ثم أمروه بالسرى وأعلموه أن العذاب نازل بالقوم، فقال لهم لوط: فعذبوهم الساعة، قالوا له: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أي بهذا أمر الله، ثم أنسوه في قلقه بقولهم:
أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.
وقرأ نافع وابن كثير «فأسر» من سرى إذا سار في أثناء الليل، وقرأ الباقون «فاسر» إذا سار في أول الليل و «القطع» القطعة من الليل، ويحتمل أن لوطا أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع، ووقعت نجاته بسحر فتجتمع هذه الآية مع قوله: إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ [القمر: ٣٤] وبيت النابغة جمع بين الفعلين في قوله: [البسيط]

أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البرد
فذهب قوم إلى أن سري وأسرى بمعنى واحد واحتجوا بهذا البيت.
قال القاضي أبو محمد: وأقول إن البيت يحتمل المعنيين، وذلك أظهر عندي لأنه قصد وصف هذه الديمة، وأنها ابتدأت من أول الليل وقت طلوع الجوزاء في الشتاء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «إلا امرأتك» بالرفع على البدل من أَحَدٌ وهذا هو الأوجه إذا استثني من منفي، كقولك: ما جاءني أحد إلا زيد، وهذا هو استثناء الملتفتين، وقرأ الباقون «إلا أمرأتك» بالنصب، ورأت ذلك فرقة من النحاة الوجه في الاستثناء من منفي، إذ الكلام المنفي في هذا مستقل بنفسه كالموجب، فإذ هو مثله في الاستقلال، فحكمه كحكمه في نصب المستثنى وتأولت فرقة ممن قرأ: «إلا امرأتك» بالنصب أن الاستثناء وقع من الأهل كأنه قال: «فأسر بأهلك إلا امرأتك». وعلى هذا التأويل لا يكون إلا النصب، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: لو كان الكلام: «ولا يلتفت» - بالرفع- لصح الرفع في قوله: «إلا أمرأتك» ولكنه نهي، فإذا استثنيت «المرأة» من أَحَدٌ وجب أن تكون «المرأة» أبيح لها الالتفات فيفسد معنى الآية.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الاعتراض حسن، يلزم الاستثناء من أَحَدٌ رفعت التاء أو نصبت والانفصال عنه يترتب بكلام حكي عن المبرد، وهو أن النهي إنما قصد به لوط وحده، و «الالتفات» منفي عنهم بالمعنى، أي لا تدع أحدا منهم يلتفت، وهذا كما تقول لرجل: لا يقم من هؤلاء أحد إلا زيد، وأولئك لم يسمعوك، فالمعنى: لا تدع أحدا من هؤلاء يقوم والقيام بالمعنى منفي عن المشار إليهم.
قال القاضي أبو محمد: وجملة هذا أن لفظ الآية هو لفظ قولنا: لا يقم أحد إلا زيد، ونحن نحتاج أن يكون معناها معنى قولنا: لا يقم أحد إلا زيد وذلك اللفظ لا يرجع إلى هذا المعنى إلا بتقدير ما حكيناه عن المبرد، فتدبره. ويظهر من مذهب أبي عبيد أن الاستثناء، إنما هو من الأهل. وفي مصحف ابن مسعود: «فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك» وسقط قوله: وَلا يَلْتَفِتْ

صفحة رقم 196
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية