آيات من القرآن الكريم

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜ

نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجُه أمهاتُهم " ﴿الأحزاب -٦﴾ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ.
وَقِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْعِ لَا عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلَمْ يَرْضَوْا هَذَا.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي﴾ [أَيْ: خَافُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي] (١)، أَيْ: لَا تَسُوءُونِي وَلَا تَفْضَحُونِي فِي أَضْيَافِي. ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ صَالِحٌ سَدِيدٌ. قَالَ عِكْرِمَةُ: رَجُلٌ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (٧٩) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) ﴾.
﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يَا لُوطُ، ﴿مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ أَيْ: لَسْنَ أَزْوَاجًا لَنَا فَنَسْتَحِقُّهُنَّ بِالنِّكَاحِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا لَنَا فِيهِنَّ مِنْ حَاجَةٍ وَشَهْوَةٍ. ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ.
﴿قَالَ﴾ لَهُمْ لُوطٌ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ أَرَادَ قُوَّةَ الْبَدَنِ، أَوِ الْقُوَّةَ بِالْأَتْبَاعِ، ﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ أَيْ: أَنْضَمُّ إِلَى عَشِيرَةٍ مَانِعَةٍ. وَجَوَابُ "لَوْ" مُضْمَرٌ أَيْ لَقَاتَلْنَاكُمْ وَحُلْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي مَنَعَةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَغْفِرُ اللَّهُ لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ" (٢).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَغْلَقَ لُوطٌ بَابَهُ وَالْمَلَائِكَةُ مَعَهُ فِي الدَّارِ، وَهُوَ يُنَاظِرُهُمْ وَيُنَاشِدُهُمْ مِنْ وراء الباب ١٧٧/أوَهُمْ يُعَالِجُونَ تَسَوُّرَ الْجِدَارِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ مَا يَلْقَى لُوطٌ بِسَبَبِهِمْ:
﴿قَالُوا يَا لُوطُ﴾ إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، ﴿إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾ فَافْتَحِ الْبَابَ وَدَعْنَا وَإِيَّاهُمْ، فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلُوا فَاسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي

(١) ساقط من "ب".
(٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب "ولوطا إذ قال لقومه: أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون": ٦ / ٤١٥.

صفحة رقم 192

يَكُونُ فِيهَا فَنَشْرَ جَنَاحَهُ وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دُرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ بَرَّاقُ الثَّنَايَا، أَجْلَى الْجَبِينِ، وَرَأَسُهُ حُبُكٌ (١) مِثْلُ الْمَرْجَانِ، كَأَنَّهُ الثَّلْجُ بَيَاضًا وَقَدَمَاهُ إِلَى الْخُضْرَةِ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ وُجُوهَهُمْ فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ وَأَعْمَاهُمْ، فَصَارُوا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ سَحَرُونَا، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا لُوطُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ فَسَتَرَى مَا تَلْقَى مِنَّا غَدًا. يُوعِدُونَهُ، فَقَالَ (٢) لُوطٌ لِلْمَلَائِكَةِ: مَتَى مَوْعِدُ إِهْلَاكِهِمْ؟ فَقَالُوا: الصُّبْحُ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ أَهْلَكْتُمُوهُمُ الْآنَ، فَقَالُوا ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ ثُمَّ قَالُوا، ﴿فَأَسْرِ﴾ يَا لُوطُ، ﴿بِأَهْلِكَ﴾.
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ "فَاسْرِ وأنِ اسْرِ" بِوَصْلِ الْأَلِفِ [حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ] (٣) مِنْ سَرَى يَسْرِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِقَطْعِ الْأَلْفِ مِنْ أَسْرَى يُسْرِي، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَسِيرُ بِاللَّيْلِ.
﴿بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بِبَقِيَّةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ مُضِيِّ أَوَّلِهِ وَقِيلَ: إِنَّهُ السَّحَرُ الْأَوَّلُ.
﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: "امْرَأَتُكَ" بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِالْتِفَاتِ، أَيْ: لَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ فَإِنَّهَا تَلْتَفِتُ فَتَهْلِكُ، وَكَانَ لُوطٌ قَدْ أَخْرَجَهَا مَعَهُ وَنَهَى مَنْ تَبِعَهُ، مِمَّنْ أَسْرَى بِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتَ، سِوَى (٤) زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ هَدَّةَ الْعَذَابِ الْتَفَتَتْ، وَقَالَتْ: يَا قَوْمَاهُ، فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِنَصْبِ التَّاءِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْإِسْرَاءِ، أَيْ: فَأَسَرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ فَلَا تَسْرِ بِهَا وَخَلِّفْهَا مَعَ قَوْمِهَا، فَإِنَّ هَوَاهَا إِلَيْهِمْ، وَتَصْدِيقُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ "فَأَسَرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ".
﴿إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ مِنَ الْعَذَابِ، ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ أَيْ: مَوْعِدُ هَلَاكِهِمْ وَقْتُ الصُّبْحِ، فَقَالَ لُوطٌ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.

(١) يعني "حبك الشعر" وهو الجعد المتكسر منه. وانظر: الطبري: ١٥ / ٤٣٠ مع التعليق عليه.
(٢) هكذا في المخطوط. وفي المطبوع جاء قبل قول لوط: "قالت الملائكة: لا تخف، إنا أرسلنا لإهلاكهم، فقال لوط... ".
(٣) ساقط من "ب".
(٤) هكذا في الأصل وفي المطبوع ولعلها: فلم يلتفت سوى زوجته - كما جاء في هامش "أ".

صفحة رقم 193
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية