
والمرضى، ومن لا يقدر على الخروج وهم القاعدون.
﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف﴾.
أي: مع النساء اللواتي لا فرض عليهن في الجهاد، جمع خَالِفة.
﴿وَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ﴾.
أي: ختم.
وقد يقال للرجل: " خالفة " إذا كان غير نجيب.
وقد يجمع " فاعل " صفةً على " فواعل " في الشعر، قالوا: " فَارِسٌ " و " فَوَارِس " و " هَالِكٌ " و " هوالك ".
وأصل " فواعل " أن يكون جمع: " فاعلة ".
قوله: ﴿لكن الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾، إلى قوله: ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

المعنى: هؤلاء لهم خيرات الآخرة ونعيمها.
وواحد ﴿الخيرات﴾، " خَيْرَةٌ " مخففة، و " خيرات " كل شيء، أفضله.
﴿وأولئك هُمُ المفلحون﴾.
أي: الباقون في النعيم، المخلدون فيه.
وأصل " الفلاح ": البقاء في الخير، وقولهم: " حَيَّ على الفَلاَحِ " أي: تعالوا إلى الفوز، يقال: " أفْلَحَ الرَّجُلُ "، إذا فاز وأصاب خيراً.
﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾.
أي: بساتين.
﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا﴾.
أي: لابثين فيها أبداً.
﴿ذلك الفوز العظيم﴾.
أي: النجاء العظيم، والحظ الجزيل.

ثم قال تعالى: ﴿وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾.
والمعنى: ﴿وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾، في التخلف، ﴿وَقَعَدَ﴾ عن الإتيان إلى رسول الله ﷺ، فيعتذروا أو يجاهدوا، و ﴿الذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾، واعتذروا بالباطل بينهم، لا عند رسول الله عليه السلام.
﴿سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ﴾.
أي: جحدوا توحيد الله ونبوة نبيه عليه السلام.
﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
أي: مؤلم، أي: موجع.
وقوله: ﴿المعذرون﴾، ليس من " عذَّر "، يقال: " عَذَّرَ الرَّجُلُ في الأمْرِ " إذا لم يبالغ فيه، ولم يُحكمه، ولم تكن هذه صفة هؤلاء، بل كانوا أهل اجتهاد في طلب ما ينهضهم مع النبي ﷺ فوَصْفُهم بأنُّهم قد اعتَذَروا أو أعْذَروا، أولى من وصفهم بأنهم قد عَذَّروا فإنما هم المُعْتَذِرون، ثم أدغم.

وقد قرأ ابن عباس: " المُعْذِرُونَ " من: " أعذر ".
ويجوز: " المُعذِّرُون " بضم العين لالتقاء الساكنين، (يتبع الضم الضم. ويجوز: " المُعِذِّرُون " بكسر العين لالتقاء الساكنين).
وقد قيل: إنّ " المُعَذِّرَ " من " عذَّر " إذا قَصر في الأمر فيهم مذمومون على هذا المعنى.

وعلى المعنى الآخر إذا حملته على معنى " المُعْتَذِرينَ " غير مذمومين، إذا أتوا بعذر واضح.
ويجوز أن يكونوا مذمومين إذا أتوا بعذر غير واضح، يقال " اعْتَذَرَ الرَّجُلُ ": إذا أتى بعذر واضح، و " اعْتَذَرَ ": إذا لم يأت بعذر، قال تعالى: ﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ﴾، فهؤلاء اعتذروا بالباطل، فهم الذين يعتذرون ولا عذر لهم.
ومنع المبرد أن يكون أصله: " المُعْتَذِرِين " ثم أدغم لأنه يقع اللبس.
وذكر إسماعيل القاضي: أنَّ سياق الكلام يدل على أنَّه لا عذر لهم وأنهم مذمومون، لأنهم جاء/ وا ﴿لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾، ولو كانوا من الضعفاء والمرضى، والذين

لا يجدون ما ينفقون لم يحتاجوا إلى أن يستأذنوا.
وقول العرب: " مَنْ عَذِيرِي مِنْ فُلاَنٍ "، معناه: قد أتى فلانٌ أمراً عظيماً يستحق عليه العقوبة، ولم يعلم الناس به، فمن يَعْذِرُني إن عاقَبْتُه.
قال مجاهد: هم نفر من بني غِفار، جاءوا فاعتذروا، فلم يعذرهم الله تعالى.
وكذلك قال قتادة.
فهذا يدل على أنهم كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحق، فلا يوصفون بالإعْذَارِ.
وقرأ ابن عباس: " المُعْذِرُون " بإسكان العين، وكان يقول: لعن الله المعتذرين، يذهب إلى أن " المعتذرين " بإسكان العين، ليس لهم عذر صحيح.
و ﴿المعذرون﴾ بالتشديد: المفرطون المقصرون ولا عذر لهم.