للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع. واما الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل اليه فهى متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا وفيه اشارة الى ان استغفار النبي عليه السلام لاحد من غير استغفاره لنفسه لا ينفعه فاليأس من المغفرة وعدم قبول استغفاره ليس لبخل من الله ولا لقصور فى النبي عليه الصلاة والسلام بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها كما قال المولى جلال الدين فى شرح إليها كل المحال لا يدخل تحت قدرة قادر ولا يلزم من ذلك النقص فى القادر بل النقص فى المحال حيث لا يصلح لتعلق القدرة انتهى ومنه يعرف معنى قول العرفي الشيرازي ذات تو قادرست بايجاد هر محال الا بآفريدن چون تو يگانه وفى عبارته سوء ادب كما لا يخفى واعلم ان من كفرهم وفسقهم سخريتهم فى امر الصدقات ولو كان لهم ايمان وإصلاح لبالغوا فى الانفاق وجدّوا فى البذل كالمخلصين وفى التأويلات النجمية قلب المؤمن منور بالايمان وروحه متوجه الى الحق تعالى فالحق يؤيد روحه بتأييد نظر العناية وتوفيق العبودية فيسطع من الروح نور روحانى مؤيد بنور ربانى فتنبعث منه الخواطر الرحمانية الداعية الى الله تعالى باعمال موجبة للقربة من الفرائض والنوافل فتارة تكون الأعمال بدنية كالصوم والصلاة وتارة تكون تلك الأعمال مالية كالزكاة والصدقة فيتطوع بالصدقة فضلا عن الزكاة وفى الحديث (ان النافلة هدية المؤمن الى ربه فليحسن أحدكم هديته وليطيبها) وقلب المنافق مظلم بظلمات صفات النفس لعدم نور الايمان وروحه متوجه الى الدنيا وزخارفها بتبعية النفس الامارة بالسوء مطرود بالخذلان لان قرينه الشيطان فبتأثير الخذلان ومقارنة الشيطان يصعد من النفس ظلمة نفسانية تمنع القلب من قبول الدعوة واجابة الرسل واتباع الأوامر واجتناب النواهي بالصدق وتنبعث منه الخواطر الظلمانية النفسانية وبذلك يمتنع عن أداء الفرائض فضلا عن النوافل والتطوعات ويهزأ بمن يفعل ذلك- روى- ان داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان فاراه إياه فى المنام فلما رأى عظمته غشى عليه فلما أفاق قال الهى من الذي يقدر ان يملأ گفته من الحسنات فقال يا داود انى إذا رضيت عن عبدى املأها بتمرة- وروى- ان الحسن مر به نخاس ومعه جارية جميلة فقال للنخاس أترضى فى ثمنها بدرهم او در همين قال لا قال فاذهب فان الله يرضى فى الحور العين بالفلس والفلسين: قال السعدي قدس سره
بدنيا توانى كه عقبى خرى
بخر جان من ور نه حسرت خورى
واعلم ان النوافل مقبولة بعد أداء الفرائض والا فهى من علامات اهل الهوى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ المخلف ما يتركه الإنسان خلفه والمتخلف الذي تأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبي عليه السلام بالمدينة حين الخروج الى غزوة تبوك بالاذن لهم فى القعود عند استئذانهم بِمَقْعَدِهِمْ مصدر ميمى بمعنى القعود متعلق بفرح اى بقعودهم وتخلفهم عن الغزو خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ ظرف للمصدر اى خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخلاف بمعنى خلف كما فى قوله تعالى وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا يقال اقام زيد خلاف القوم اى تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن او لم يظعن ويجوز ان يكون بمعنى المخالفة
صفحة رقم 474
فيكون انتصابه على العلة لفرح اى فرحوا لاجل مخالفتهم إياه عليه السلام بان مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيثارا للدعة والخفض اى الراحة وسعة العيش على طاعة الله مع ما فى قلوبهم من الكفر والنفاق. وفى ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم فى سبيل الله وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفى قوله كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لان الفرح من ثمرات المحبة وَقالُوا اى قال بعضهم لبعض تثبيتا لهم على التخلف والقعود وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد او قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ونهيا لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهى الغير عن ذلك لا تَنْفِرُوا اى لا تخرجوا فِي الْحَرِّ فانه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا الى غزوة تبوك فى وقت نضج الرطب وهو أشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير ان حروجه عليه السلام لتبوك كان فى زمن الخريف لا ينافى وجود الحر فى ذلك الزمن لان أوائل الخريف
وهو الميزان يكون فيه الحر وكان ممن تخلف عن مسيره معه ﷺ ابو خيثمة ولما سار عليه السلام أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشتين لهما فى حائط قدرشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل نظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى الله عنه رسول الله ﷺ فى الحر وابو خيثمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئالى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحلها وأخذ سيفه ورمحه ثم خرج فى طلب رسول الله حتى أدركه: قال الحافظ
ملول از همرهان بودن طريق كاردانى نيست
بكش دشوارىء منزل بياد عهد آسانى
وقال
مقام عيش ميسر نميشود بي رنج
بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست
وقال
من از ديار حبيبم نه از ديار غريب
مهيمنا بعزيزان خود رسان باشم
قُلْ ردا عليهم وتجهيلا نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا من هذا الحر وقد آثرتموها بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ اى يعلمون انها كذلك لما خالفوا وفى الحديث (ان ناركم هذه جزء من سبعين جزا من اجزاء نار جهنم) وبيانه انه لو جمع حطب الدنيا فاوقد كله حتى صار نارا لكان الجزء الواحد من اجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزأ أشد من حر نار الدنيا وفى الخبر لما اهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل الى مالك وأخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها أحرقت كفه فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها إليك فالق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف (تقوى أولادي على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على أولادك المطيعين من سبيل كما ورد فى الحديث تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى) ومن كان مع الله لا يحرقه شىء ألا ترى الى حال النبي عليه السلام
صفحة رقم 475
الخلص نسأل الله تعالى صحبة الدين وصحبة اهل الدين الى يوم الدين- روى- ان زيد بن حارثة كان لخديجة اشترى لها بسوق عكاظ فوهبته لرسول الله فجاء أبوه يريد شراءه منه فقال عليه السلام (ان رضى بذلك فعلت) فسئل زيد فقال ذل الرقبة مع صحبة أحب الخلق الى الحق أحب الى من الحرية مع مفارقته فقال عليه السلام (إذا اختارنا اخترناه) فأعتقه وزوجه أم ايمن وبعدها زينب بنت جحش: قال الحافظ
گدايى در جانان بسلطنت مفروش
كسى ز سايه اين در بافتاب رود
والمنافقون لما لم يكن لهم استعداد لهذه الصحبة الشريفة فارقوه عليه السلام فى السفر والحضر لان كل امرئ يصبو الى من يجانس وقدم ناس الى مكة وقالوا قدمنا الى بلدكم فعرفنا خياركم من شراركم فى يومين قيل كيف قالوا لحق خيارنا بخياركم وشرارنا بشراركم فالف كل شكله: قيل
وإذا الرجال توسلوا بوسيلة
فوسيلتى حبى لآل محمد
قال الكاشفى [جهاد كار مردان مرد ومبارزان ميدان نبرد است از هر تردامنى اين كار نيايد ونامرد بي درد مبارزت معركه مجاهدت را نشايد]
يا برو همچون زنان رنكى وبويى پيش گير
يا چومردان اندر آي وكوى در ميدان فكن
قال السعدي قدس سره
ندهد هوشمند روشن رأى
بفرومايه كارهاى خطير
بوريا باف اگر چهـ بافندست
نبرندش بكار كاه حرير
ومن بلاغات الزمخشري لا تصلح الأمور الا باولى الألباب والأرحاء لا تدور الا على الاقطاب جمع قطب وهو وتد الرحى وَلا تُصَلِّ يا محمد عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ اى من المنافقين وهو صفة لاحد ماتَ صفة اخرى ويجوز ان يكون منهم حالا من الضمير فى مات كذا فى تفسير ابى البقاء أَبَداً ظرف للنهى اى لا تدع ولا تستغفر لهم ابدا وهو الأظهر. وقيل منصوب بمات على ان يكون المعنى لا تصل على أحد منهم ميت مات ابدا بان مات على الكفر فان من مات على الكفر ميت ابدا وان إحياءه للتعذيب دون التمتع فكأنه لم يحى وكان حذيفة رضى الله عنه صاحب سر رسول الله ﷺ قال له (يوما انى مسر إليك سرا فلا تذكرنه انى نهيت ان أصلي على فلان وفلان) وعد جماعة من المنافقين ولما توفى رسول الله كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى خلافته إذا مات الرجل ممن يظن انه من أولئك أخذ بيد حذيفة فناداه الى الصلاة عليه فان مشى معه حذيفة صلى عليه عمر وان انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ اى ولا تقف عند قبره للدفن او للزيارة والدعاء وكان النبي عليه السلام إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ تعليل للنهى على ان الاستغفار للميت والوقوف على قبره انما يكون لاستصلاحه وذلك مستحيل فى حقهم لانهم استمروا على الكفر بالله وبرسوله مدة حياتهم قال الحافظ قدس سره
صفحة رقم 478
بآب زمزم وكوثر سفيد نتوان كرد
كليم بخت كسى را كه بافتند سياه
وقال السعدي قدس سره
توان پاك كردن ز ژنك آينه
وليكن نيايد ز سنك آينه
وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ اى متمردون فى الكفر خارجون عن حدوده- روى- عن ابن عباس ان رئيس المنافقين عبد الله بن ابى بن سلول دعا رسول الله صلى الله عليه السلام فى مرضه فلما دخل عليه سأله ان يستغفر له ويصلى عليه إذا مات ويقوم على قبره ثم انه أرسل اليه عليه السلام يطلب منه قميصه ليكفن فيه فارسل اليه القميص الفوقاني فرده فطلب الذي يلى جلده فقال عمر رضى الله عنه تعطى فميصك لرجس النجس فقال عليه السلام (ان قميصى لا يغنى عنه من الله شيأ وارجوا من الله تعالى ان يدخل به الف فى الإسلام) وذلك ان المنافقين كانوا لا يفارقون ابن ابى فلما رأوه يطلب منه عليه السلام قميصه يتبرك به ويرجو ان ينفعه القميص فى دفع عذاب الله وجلب رحمته وفضله اسلم الف من الخروج وانما قال عليه السلام ان قميصى لا يغنى لعدم الأساس الذي هو الايمان ومثله انما يؤثر عند صلاح المحل ويدل عليه قوله عليه السلام (ادفنوا امواتكم وسط قوم صالحين فان الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي بجار السوء) وما يروى الأرض المقدسة لا تقدس أحدا انما يقدس المرء عمله وقد ثبت ان عبد الله بن أنيس رضى الله عنه لما قتل سفيان بن خالد الهذلي ووضع بين يديه عليه السلام دفع اليه عصا كانت بيده وقال تخصر بهذه فى الجنة أي توكأ عليها فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة اوصى اهله ان يجعلوها بين جلده وكفنه ففعلوا وثبت انه عليه السلام حلق رأسه الشريف معمر بن عبد الله فاعطى نصف شعر رأسه لابى طلحة وفرق النصف الآخر بين الاصحاب شعرة وشعرتين فكانوا يتبركون بها وينصرون ما داموا حاملين لها ولذا قال فى الاسرار المحمدية لو وضع شعر رسول الله او عصاه او سوطه على قبر عاص لنجا ذلك العاصي ببركات تلك الذخيرة من العذاب وان كان فى دار انسان او بلدة لا يصيب سكانها بلاء ببركته وان لم يشعروا به ومن هذا القبيل ماء زمزم والكفن المبلول به وبطانة أستار الكعبة والتكفن بها وكتابة القرآن على القراطيس والوضع فى أيدي الموتى انتهى أقول ان قلت قد ثبت ان فى خزانة السلاطين خصوصا فى خزانة آل عثمان شيأ مما يتبرك به من خرقة النبي عليه السلام وغيرها ورأيناهم قد لا ينصرون ومعهم شىء من لوائه عليه السلام ويصبب بلدتهم آفات كثيرة قلت لذلك لهتكم الحرمة ألا ترى ان مكة والمدينة كان لا يدخلهما
طاعون فلما هتك السكان حرمتهما دخلهما والله الغفور فلما مات ابن ابى انطلق ابنه وكان مؤمنا صالحا الى النبي عليه السلام ودعاه الى جنازة أبيه فقال له عليه السلام (ما اسمك) قال الحباب بن عبد الله فقال عليه السلام (أنت عبد الله بن عبد الله ان الحباب هو الشيطان) اى اسمه كما فى القاموس ثم قال (صل عليه وادفنه) فقال ان لم تصل عليه يا رسول الله لا يصلى عليه مسلم أنشدك الله ان لا تشمت بي الأعداء فاجابه عليه السلام تسلية له ومراعاة لجانبه فقام ليصلى عليه فجاء عمر رضى الله عنه فقام بين رسول الله وبين القبلة لئلا يصلى عليه وقال أتصلي على عدو
صفحة رقم 479