
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا﴾ الْآيَة. نزلت الْآيَة فِي شَأْن عبد الله بن أبي بن سلول؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ: " أَنه لما حَضَره الْمَوْت جَاءَ ابْنه إِلَى رَسُول الله برسالته يطْلب مِنْهُ قَمِيصه ليكفنه فِيهِ، فَأعْطَاهُ رَسُول الله قَمِيصه. وَفِي بعض الرِّوَايَات: أَنه أعطَاهُ قَمِيصه الَّذِي فَوق قَمِيصه وَهُوَ الْأَعْلَى، فَرد وَطلب قَمِيصه الَّذِي يَلِي جلده، فَلَمَّا توفّي قدم ليُصَلِّي عَلَيْهِ رَسُول الله بِطَلَب ابْنه ذَلِك ووصيته، فَلَمَّا تقدم رَسُول الله ليُصَلِّي عَلَيْهِ أَخذ عمر بِثَوْبِهِ وَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَتُصَلِّي على هَذَا الْمُنَافِق؟ فَقَالَ رَسُول الله: إِن رَبِّي خيرني. وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى: ﴿اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم﴾ وَقد اخْتَرْت أَن أُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ: فَصلي عَلَيْهِ، فَأنْزل الله تَعَالَى قَوْله ﴿وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا﴾.
وَفِي رِوَايَة أنس: " أَن النَّبِي لما وقف ليُصَلِّي عَلَيْهِ أَخذ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام

﴿وهم فَاسِقُونَ (٨٤) وَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ إِنَّمَا يُرِيد الله أَن يعذبهم بهَا فِي الدُّنْيَا وتزهق أنفسهم وهم كافرون (٨٥) وَإِذا أنزلت سُورَة أَن آمنُوا بِاللَّه﴾ بِطرف ثَوْبه وَمنعه من الصَّلَاة، فَترك الصَّلَاة ".
وَالرِّوَايَة الأولى هِيَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ".
وَقَوله: ﴿وَلَا تقم على قَبره﴾ وَفِي رِوَايَة: " أَن النَّبِي كَانَ إِذا صلى على ميت وقف على قَبره ودعا " فَمَنعه الله تَعَالَى عَن ذَلِك فِي حق الْمُنَافِقين.
فَإِن قيل: كَيفَ يجوز أَن يُصَلِّي النَّبِي على الْمُنَافِق وَهُوَ يعلم أَنه كَافِر بِاللَّه؟
الْجَواب عَنهُ: أَنه رأى ذَلِك مصلحَة؛ وَقد قيل حِين صلى عَلَيْهِ: " إِن صَلَاتي عَلَيْهِ لَا تغني عَنهُ من عَذَاب الله شَيْئا ".
وَفِي بعض الرِّوَايَات: " أَن عبد الله بن أبيّ بن سلول لما طلب مِنْهُ قَمِيصه ليتبرك بِهِ ويكفن فِيهِ، أسلم ألف رجل من قومه لم يَكُونُوا أَسْلمُوا من قبل لما رَأَوْا من تبركه بِالنَّبِيِّ. [ ﴿إِنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وَرَسُوله وماتوا وهم فَاسِقُونَ﴾ ] وَبَاقِي الْآيَة مَعْلُوم.