آيات من القرآن الكريم

وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ

أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يبرأ من المنافقين، وأن لا يصلي على أحد منهم إذا ماتا، وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتو عليه؛ وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في ( عبد الله بن أبي سلول ) رأس المنافقين. كما قال البخاري « عن نافع عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله ﷺ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله ﷺ ليصلي عليه، فقام عمر، فأخ بثوب رسول الله ﷺ، فقال : يا رسول الله تصلي عليه، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله ﷺ :» إنما خيرني الله فقال :﴿ استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ﴾ [ التوبة : ٨٠ ] وسأزيده على سبعين «، قال : إنه منافق، قال : فصلى عليه رسول الله ﷺ، فأنزل الله عزَّ وجلَّ آية :﴿ وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ ﴾ » وعن عباس قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول :« لما توفي ( عبد الله بن أبي ) دعي رسول الله ﷺ للصلاة عليه، فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه تحولت حتى قمت في صدره، فقلت : يا رسول الله أعلى عدو الله ( عبد الله بن أبي ) القائل يوم كذا وكذا - يعدّد أيامه -؟ قال : ورسول الله ﷺ يبتسم، حتى إذا أكثرت عليه قال :» أخّر عني يا عمر، إني خيرت فاخترت، قد قيل لي :﴿ استغفر لَهُمْ ﴾ الآية، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت «، قال : ثم صلى عليه، ومشى معه، وقام على قبره حتى فرغ منه، قال : فعجبتُ من جرأتي على رسول الله ﷺ، والله ورسوله أعلم، قال : فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت هاتان الآيتان :﴿ وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً ﴾ الآية، فما ﷺ بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله عزَّ وجلَّ »، وروى الإمام أحمد عن جابر قال :« لما مات عبد الله بن أبي أتى ابنه النبي ﷺ فقال : يا رسول الله إنك إن لم تأته لم نزل نعيّر بهذا، فأتاه النبي ﷺ فوجده قد أدخل في حفرته، فقال :» أفلا قبل أن تدخلوه «، فأخرج من حفرته، وتفل عليه من ريقه من قرنه إلى قدمه وألبسه قميصه »

صفحة رقم 1069

، وقال البخاري :« أتى النبي ﷺ عبد الله بن أبي بعدما أدخل في قبره، فأمر به فأخرج، ووضع على ركبتيه، ونفث عليه من ريقه، وألبسه قميصه، والله أعلم ».
وقال قتادة :« أرسل عبد الله بن أبي إلى رسول الله ﷺ وهو مريض، فلما دخل عليه قال له النبي ﷺ :» أهلكت حب يهود « قال : يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتؤنبني، ثم سأله عبد الله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه إياه وصلى عليه وقام على قبره »، فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً ﴾ الآية، ولهذا كان رسول الله ﷺ بعد نزول هذه الآية الكريمة عليه لا يصلي على أحد من المنافقين، ولا يقوم على قبره، كما قال قتادة :« كان رسول الله ﷺ إذا دعي إلى جنازة سأل عنها، فإن أثني عليها خيراً قام فصلى عليها، وإن كان غير ذلك قال لأهلها، » شأنكم بها «، ولم يصل عليها؛ وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جهل حاله حتى يصلي عليها ( حذيفة بن اليمان ) لأنه كان يعلم أعيان المنافقين، قد أخبره بهم رسول الله ﷺ، ولهذا كان يقال له :( صاحب السر ) الذي لا يعلمه غيره أي من الصحابة، ولما نهى الله عزَّ وجلَّ عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم كان هذا الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين فشرع ذلك، وفي فعله الأجر الجزيل، كما ثبت في » الصحاح « :» من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان « قيل : وما القيراطان؟ قال :» أصغرهما مثل أُحُد « ؛ وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات فروى أبو داود عن عثمان رضي الله عنه قال :» كان رسول الله ﷺ إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل « ».

صفحة رقم 1070
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية