
ترى أنه لا يبنى منه فاعل ولا مفعول فصار كـ (ليس)، و (ليس) يجوز تذكيره وإن أسند إلى مؤنث كقولك: ليس تخرج جاريتك (١).
ومن قرأ (يزيغ) بالياء فوجهه تقدم الفعل (٢) فذكر (يزيغ) كما ذكر (كاد) ليتشابه الفعلان ويتشاكلا.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ كرر ذكر التوبة وهما واحد لأنه ليس في ابتداء الآية ذكر ذنبهم، فقدم الله ذكر التوبة فضلا منه، ثم ذكر ذنبهم، ثم أعاد ذكر التوبة، وقيل: إن المراد بالتوبة بعد التوبة رحمة بعد رحمة، وقد قال رسول الله - ﷺ -: "إن الله تعالى ليغفر ذنب الرجل المسلم (٣) عشرين مرة" (٤)، وهذا معنى قول ابن عباس في قوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ يريد (ازداد عنهم رضًا) (٥).
١١٨ - قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ الآية، هؤلاء هم المعنيون بقوله: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ الآية، وقد ذكرنا هناك من هم، والمعنى: وتاب على الثلاثة الذين خلفوا، قال ابن عباس ومجاهد: (خلفوا عن التوبة عليهم) (٦).
(٢) من (م).
(٣) ساقط من (ى).
(٤) لم أجده في المصادر التي بين يدي سوى "تفسير الرازي" ١٦/ ٢١٦.
(٥) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٦/ ٢١٦.
(٦) ذكره عنهما ابن الجوزي ٣/ ٥١٣، والمؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٢٩، ورواه عن عكرمة الإمام ابن جرير ١١/ ٥٦.

وقال كعب بن مالك الشاعر -وكان أحد الثلاثة الذين تخلفوا بغير عذر-: (ما هذا من تخلفنا إنما هو تأخير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا) (١) لثير بذلك إلى قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٠٦].
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ قال المفسرون: (ضيق الأرض عليهم بأن المؤمنين منعوا من كلامهم ومعاملتهم، وأمر (٢) أزواجهم باعتزالهم، وكان النبي - ﷺ - معرضًا عنهم، إلى أن أنزل الله توبتهم وأمر بالرجوع لهم بعد خمسين يومًا (٣)) (٤)، ومعنى ضاقت الأرض بما رحبت ذكرناه في هذه السورة (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ يعني ضيق صدورهم بالهم الذي حصل فيها، قال ابن عباس: (يريد من الوحشة) (٦)، يعني حين لم يكلمهم أحد من المؤمنين، وقوله تعالى: ﴿وَظَنُّوا﴾ أي أيقنوا ﴿أَ {أَنْ لَا مَلْجَأَ﴾ معتصم من الله إلا به (٧)، أي من عذاب الله إلا به.
(٢) في (م): (وأمروا).
(٣) في (ى): (ليلة).
(٤) انظر: "تفسير هود" ٢/ ١٧٤، والماوردي ٢/ ٤١٣، وابن الجوزي ٣/ ٥١٣، والرازي ١٦/ ٢١٨.
(٥) يعني عند قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَت﴾ [التوبة: ٢٥].
(٦) لم أقف عليه.
(٧) هكذا في جميع النسخ، ولذا لم أجعل الجملة من القرآن، وتفسير المؤلف للجملة يوحي أنه يريد قول الله تعالى: (من الله إلا إليه) وعبارته في "الوسيط": (لا ملجأ) لامعتصم (من الله) من عذاب الله (إلا إليه) إلا به.

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾، قال صاحب النظم: قول: ﴿وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ معرفة منهم بالذنب وإضمار للتوبة وطلب لها، والله -عز وجل- يقبل النية الصالحة، فلما كان هذا نيتهم أضمر الله -عز وجل- في الكلام أنه قبل ذلك منهم ورحمهم، ثم نسق بـ (ثم) على هذا الإضمار، على تأويل: حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وعلموا (١) ألا ملجأ من الله إلا إليه رحمهم، ثم تاب عليهم) انتهى كلامه، وقوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ إعادة للتوكيد؛ لأن ذكر التوبة على هؤلاء قد مضى في قوله: ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾، قال ابن عباس: (يريد: ازداد لهم رضا وعصمة) (٢)، وقد ذكرنا نظير هذا في الآية الأولى.
ومعنى: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ أي لطف لهم (٣) في التوبة ووفقهم لها، وهذا دليل على أنه ما (٤) لم يرد الله تعالى توبة العبد ولم يوفقه لها لا يمكنه ذلك.
وقال ابن الأنباري: (معناه: ثم تاب عليهم ليدوموا على التوبة، ولا يراجعوا ما يبطلها، قال: ويجوز أن يكون المعنى: ثم تاب عليهم لينتفعوا بالتوبة (٥) ويتوفر عليهم ثوابها، وهذان لا يقعان إلا بعد توبة الله عليهم) (٦).
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ١٦/ ٢١٦.
(٣) في (ى): (بهم)، وما في (م) و (ح) موافق لما في "الوسيط" ٢/ ٥٣٣.
(٤) ساقط من (ى).
(٥) في (ح): (في التوبة).
(٦) "تفسير الرازي" ١٦/ ٢١٩ بلا نسبة.