آيات من القرآن الكريم

وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

قال ابن عباس: لم يزل إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما مات وتبين له أنه عدو لله وأنه من أصحاب الجحيم تبرأ منه ومن قرابته وترك الاستغفار له كما هو مقتضى الإيمان.
إن إبراهيم لأواه كثير التأوه والتحسر، والخشوع، والدعاء لله، حليم لا يستفزه غضب ولا جهل ولا طيش به هو صبور عطوف صفوح، وهذا تذيل يفيد اتصاف إبراهيم بما ذكر، وأنه يأتسى به في ذلك.
لما نزل المنع من الاستغفار خاف المؤمنون من المؤاخذة بما صدر عنهم قبل البيان وقد مات جماعة منهم قبل النهى فأنزل الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً.. الآية.
وما كان الله ليقضى على قوم بالضلال ويحكم عليهم بذلك. بعد إذ هداهم ووفقهم للإيمان الكامل بمجرد قول أو عمل صدر عنهم خطأ في الاجتهاد حتى يتبين لهم ما يتقون الله به بيانا شافيا واضحا، إن الله بكل شيء عليم، فالله لا يؤاخذهم إلا بعد أن يبين لهم شريعته ويوقفهم على حكمه.
واعلموا أن الله له ملك السموات والأرض بيده الأمر كله، يحيى يميت. لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه. فلا تهمنكم القرابة والصلة ولا تخشوا إلا الله، وما لكم ولى ولا نصير من غيره- سبحانه وتعالى-.
التوبة وشروطها، والصدق وفضله [سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٧ الى ١١٩]
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)

صفحة رقم 23

المفردات:
ساعَةِ الْعُسْرَةِ المراد: وقت العسرة أى: الشدة يَزِيغُ يميل عن الصراط المستقيم خُلِّفُوا أخر أمر هؤلاء الثلاثة مدة ثم تاب الله عليهم بعد ذلك، فهم قد خلفوا عن أبى لبابة وأصحابه في قبول التوبة بِما رَحُبَتْ أي: برحبها وسعتها.
المعنى:
للتوبة معنيان: أولهما العطف والرضا عن العباد وعن أعلاهما. ثانيهما: قبول التوبة منهم بعد توفيقهم إليها، وكانت توبة الله على النبي صلّى الله عليه وسلم من النوع الأول.
وقد فسر البعض توبة الله على النبي صلّى الله عليه وسلم حيث أذن لبعض المنافقين وكان الأولى الانتظار عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا.. الآية وأما المهاجرون والأنصار فقد كانت غزوة تبوك في ساعة العسرة والشدة، وقد تجاوز الله عن هفواتهم وتثاقلهم عن المسير (وهذا كله من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين).
وفي الكشاف هذه الآية مثل قوله- تعالى-: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «١» وهذا حث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إليها حتى النبي المعصوم والمهاجرين والأنصار، وفي ذلك إبانة لفضلها ومقدارها عند الله، وأنها صفة الأنبياء والسابقين، وهذا كلام حسن وتخريج جميل.

(١) سورة الفتح آية ٢.

صفحة رقم 24

لقد تاب الله على النبي صلّى الله عليه وسلم وعلى المهاجرين والأنصار مما ألم به بعضهم، وذلك لأنهم اتبعوا النبي صلّى الله عليه وسلم ساعة العسرة والشدة، ولبوا نداء الرسول صلّى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
وكانت عسرة في الزاد حتى اقتسم بعضهم التمرة، وفي بعض الروايات كانوا يمتصونها وقد تزود بعضهم بحفنة شعير مسوس وتمر فيه دود، وكانت عسرة في الماء حتى أنهم نحروا البعير وعصروا كرشه ليبلوا به ألسنتهم، وكانت عسرة في الظهر حتى كان العشرة يعتقبون بعيرا واحدا، وعسرة في الزمن إذ كان الوقت في نهاية الصيف حيث يشتد الحر ويكثر القيظ والعطش، وفي أخبار السير الشيء الكثير عن الشدة التي كانوا فيها.
أولئك اتبعوا النبي صلّى الله عليه وسلم من بعد ما قرب أن يزيغ قلوب فريق منهم عن صراط الإسلام بعصيان الرسول، والتخلف بغير عذر مقبول، والظاهر والله أعلم أنهم المتخلفون بغير عذر، ولا نفاق معهم وهم الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا واعترفوا بذنوبهم فتاب الله عليهم. إنه بهم رءوف رحيم.
أما الثلاثة الذين خلفوا أى: أرجئوا حتى ينزل فيهم قرآن وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع. فقد تاب الله عليهم بعد أن أرجئوا خمسين يوما بعد مجيء الرسول إلى المدينة، وخير ما يبين لنا هذه الآية وما بعدها حديث كعب ابن مالك المروي في كتب الحديث وأشهر كتب التفسير وخلاصته:
روى الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك قال- أى عبد الله-: سمعت عن كعب يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك.
قال كعب ما معناه: لم أتخلف عن رسول الله في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أنى تخلفت في بدر، ولم يعاتب أحد عن التخلف عنها لخروج النبي صلّى الله عليه وسلم إلى العير إلخ ما هو معروف.. تخلفت عن غزوة تبوك ولم يكن أحد أقوى منى ولا أيسر، وكانت عندي راحلتان وكان رسول الله قلما يريد غزوة إلا ورى بغيرها إلا هذه فكانت في حر شديد وسفر بعيد، ومع عدو كثير فجلا للمسلمين أمرهم ليأخذوا حذرهم، ويتأهبوا لغزوهم، وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين الثمار والظلال وأنا إليها أصعر (أى أميل) وتجهز معه المسلمون: وطفقت أعدو لكي أتجهز فأرجع ولا أقضى، فأقول أنا قادر على ذلك إن أردت!! فلم يزل ذلك يتمادى حتى استمر

صفحة رقم 25

بالناس الجد، فأصبح رسول الله غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا، وعللت نفسي بأنى سألحق بعد يوم أو يومين، ولم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، فهممت أن أرتحل فأدركهم وليت أنى فعلت، ثم لم يقدر لي ذلك، فطفقت وقد خرج الناس يحزنني أنى لا أرى لي أسوة إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق (مطعونا عليه في دينه) أو معذورا من ضعيف أو مريض.
قال كعب: ولما بلغني أن رسول الله قفل راجعا حضرني بثي وحزنى فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غدا وأستعين على ذلك بكل ذي رأى من أهلى فلما قيل لي إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عنى الباطل حتى عرفت أنى لن أنجو منه بشيء أبدا، فأجمعت صدقه، وكان إذا جاء من سفره ركع ركعتين في المسجد ثم جلس للناس. فلما فعل جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له فقبل منهم رسول الله علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت فلما سلمت تبسم تبسم المغضب، وقال لي: «ما خلفك؟! ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟» قال: قلت يا رسول الله: إنى والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا (فصاحة وقوة في البيان) ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنى ليوشكن الله أن يسخطك على. ولئن حدثتك حديث صدق تجد على فيه (تغضب على فيه) إنى لأرجو فيه عقبى الله. يا رسول الله: ما كان لي عذر. والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنك. فقال رسول الله: «أمّا هذا فقد صدق فقم حتّى يقضى الله فيك» فقمت وأنبنى ناس لسلوكى هذا المسلك، ثم قلت لهم: هل لقى هذا معى أحد؟
قالوا: نعم لقيه معك مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية الواقفي. قال: فذكروا له رجلين صالحين قد شهدا بدرا.
ونهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلف عنه.
قال: فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا كنت أخرج إلى الصلاة وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟!.

صفحة رقم 26
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية