آيات من القرآن الكريم

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

﴿وَقُلِ اعملوا﴾ زيادةُ ترغيبٍ لهم في العمل الصالحِ الذي من جُملتِه التوبةُ وللأولين في الثبات على ما هم عليه أي قُلْ لهم بعد ما بان لهم شأنُ التوبةِ اعملوا ما تشاءون من الأعمال فظاهرُه ترخيصٌ وتخييرٌ وباطنُه ترغيبٌ وترهيبٌ وقوله عز وجل
﴿فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ﴾ أي خيرا كان أو شرا تعليل لما قبله وتأكيدٌ للترغيب والترهيب والسينُ للتأكيد
﴿وَرَسُولُهُ﴾ عطف على الاسم الجليل وتأخيرُه عن المفعول للإشعار بما بين الرؤيتين من التفاوت
﴿والمؤمنون﴾ في الخبر لو أن رجلاً عمل في صخرة لا باب لها ولا كوة لخرج عمله إلى الناس كائناً ما كان والمعنى أن أعمالَكم غيرُ خافيةٍ عليهم كما رأيتم وتبين لكم ثمَّ إنْ كان المرادُ بالرؤية معناها الحقيقيَّ فالأمرُ ظاهرٌ وإنْ أُريد بها مآلُها من الجزاء خيراً أو شراً فهو خاصٌّ بالدنيوي من إظهار المدحِ والثناءِ والذكرِ الجميلِ والإعزازِ ونحو ذلك من الأجزية وأضدادها
﴿وَسَتُرَدُّونَ﴾ أي بعد الموتِ
﴿إلى عالم الغيب والشهادة﴾ في وُضع الظاهرُ موضعَ المُضمرِ من تهويل

صفحة رقم 100

الأمرِ وتربية المهابةِ ما لا يخفى ووجهُ تقديمِ الغيبِ في الذكر لسعة عالَمِه وزيادةِ خطرِه على الشهادة غنيٌّ عن البيان وقيل إن الموجوداتِ الغائبةَ عن الحواس عللٌ أو كالعلل للموجودات المحسوسةِ والعلمُ بالعلل علة للعلم بالمعلولات فوجب سبقُ العلمِ بالغيب على العلم بالشهادة وعن ابن عباس رضي الله عنهما الغيبُ ما يُسِرّونه من الأعمال والشهادةُ ما يظهرونه كقوله تعالى يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ فالتقديمُ حينئذ لتحقيق أن نسبةَ علمِه المحيطِ بالسر والعلنِ واحدةٌ على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه لا لإيهام أن علمَه سبحانه بما يُسرونه أقدمُ منه بما يعلنونه كيف لا وعلمُه سبحانه بمعلوماته منزهٌ عن أن يكون بطريق حصولِ الصورة بل وجودُ كلِّ شيءٍ وتحققُه في نفسِه عِلْمٌ بالنِّسبةِ إليه تعالى وفي هذا المعنى لا يختلفُ الحالُ بين الأمور البارزةِ والكامنةِ وإما للإيذان بأن رتبةَ السرِّ متقدمةٌ على رتبة العلنِ إذْ مَا من شيءٍ يُعلَنُ إلا وهُو أو مباديهِ القريبةُ أو البعيدةُ مضمرٌ قبل ذلك في القلب فتعلقُ علْمِه تعالى به في حالته الأُولى متقدمٌ على تعلقهِ به في حالته الثانية
﴿فينبئكم﴾ عقيب الردّ الذي هو عبارةٌ عن الأمر الممتد إلى يوم القيامة
﴿بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ قَبْلَ ذَلِكَ في الدُّنيا والمرادُ بالتنبئة بذلك الجزاءُ بحسَبه إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شراً فشر فهو وعد ووعيد
سورة براءة آية (١٠٦ ١٠٧)

صفحة رقم 101
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية